المهندس النسر المرحوم مازن الطائي

المهندس   النسر المرحوم مازن الطائي
المهندس المرحوم مازن الطائي

سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء

أرنو ألى الشمس هازئا في السحب والأمطار والأنواء

لا ألمح الظل الكئيب ولا أرى ما في قرار الهوة السوداء

الخميس، 24 نوفمبر 2011

"الثقافة التاريخية لدى الشاعر العماني، عبدالله الطائي نموذجاً" بقلم سماء عيسى

"الثقافة التاريخية لدى الشاعر العماني، عبدالله الطائي نموذجاً" بقلم سماء عيسى 

مازن الطائي 14/10/2009 

هذا المقال هو ورقة العمل الثانية التي قدمت في احتفالية الحارة العمانية بالتعاون مع جمعية الكتاب و الصحفيين العمانيين و النادي الثقافي (2-6-2009) بمناسبة إصدار كتاب "تاريخ عمان السياسي" للأديب الأستاذ عبدالله بن محمد الطائي ... الورقة قدمها الأديب العماني الأستاذ عيسى بن حمد الطائي - "سماء عيسى"


http://www.altaei.net/articles-action-show-id-197.htm




الورقة مهمة جدا لمتابع الأدب العماني رغم - الاختصار - الذي تعمده الكاتب لمحدودية وقت الندوة الاحتفالية:




الثقافة التاريخية لدى الشاعر العماني عبد الله الطائي

بقلم الشاعر : سماء عيسى


إنها إذن الثقافة التاريخية ، لازمة الفعل السياسي كذلك ، أي إنها الأرض الفكرية التي يقف عليها الشاعر والكاتب ، كأداة لتحريك العمل السياسي مثلما هي أيضاً أداة لتحريك الفعل الإبداعي . يندر كاتباً عمانياً فيما مضى ابتعد عن الفعل السياسي ، ذلك أن دخوله في دائرة الفعل الإبداعي بديهيا يعني دخوله الفعل السياسي ، ولو كان في حدود الموقف فقط وبالتالي كلا الفعلين الثقافي والسياسي أنطلقا من فهم تاريخي يعود بنا لديهم أي الكتاب العمانيين عصور سحيقة ، وهي هنا مادة خصبة لتحليل الموقف السياسي المتخذ شحنة ثرية لإثراء التجربة الأبداعية .


إن رائداً في استخدام التاريخ كمادة لقراءة الحاضر واستنطاقه هو الشيخ أحمد بن النضر العماني ، كان قد قام بالمثل لما قام به الطائي قبله بقرون ، فهو الآخر ألف موسوعة تاريخية عن التاريخ العماني أحرقها خردله عند هجم منزله بسمائل بعد قتله ، وقد وجدت لاحقاً قصاصات متناثرة منها في بلدة قيقا أو فيحا مثلما يوضح ذلك لنا موثق تجربته محمد بن وصاف النزوي .


إلا أن احمد بن النضر وهو يستخدم المادة التاريخية في مواجهة واقع المر ، عاد إلى ثقافته الدينية العميقة ، و منها استنطق أحوال الأمم البائده ، وكيف أن الظلم في الأرض يتبعه غضب من السماء ، يحيل كل شيء دماراً . هنا كما هو لدى الطائي لاحقاً يلعب الأحساس بالزمن المنبثق عن الوعي التاريخي أهمية كبيرة في الإيمان بحتمية التغيير وانبثاق النور من الظلمات ذات يوم .


وبالنظر إلى من سبقه من عصره ، نعود إذن ابتداءُ من استاذه ابو مسلم البهلاني ، والذي أهداه الشاعر مجموعته الشعرية الأولى صدوراً : الفجر الزاحف ، والذي يعد الطائي نفسه غصناً في شجرة ابداعه . إذ الخلاف هنا أن البهلاني جاء في تجربة مسايره لتجربة الإبداع السياسي ، وكان العمانيون آنذاك يعيشون نهضة فكرية سياسية امتدت من منتصف القرن التاسع عشر وبالتالي لدى البهلاني كما هو لدى استاذه الفذ سعيد بن خلفان الخليلي الحاضر هو جسد التجربة التاريخية وهو ضوءها وتواصلها و ثراؤها .


فضلاً عن أن من سبقه حتى بمرحله قريبه من الزمن كالشاعر سليمان بن سعيد الكندي الملقب شاعر النهضة ، عاش على أمل اليقظة الفكرية والسياسية في بلاده مع تفجر نشاط المناضل الليبي سليمان الباروني ، والذي كان قد أتخذ من عمان مقراً لتجديد دعوته الأستنهاضية ، بعد نفيه على يد الإستعمار الإيطالي من وطنه ليبيا . إلا أن الكندي والذي كان قد توفي عام 1960 م ، قد أصيب في المرحلة الأخيرة من عمره بما يشبه اليأس من دعوته ، مع رحيل الباروني إلى الهند ووفاته بها ، و تعرض الشاعر الكندي نفسه إلى الاعتقال ثم النفي إلى جزيرة سمربور ، وهي مقر المنفى البريطاني للمعارضين السياسيين في ذلك الوقت .


هكذا يشكل صوت الأستاذ الطائي الشعري ، امتدادا طبيعيا لتجارب أسلافه العمانيين خاصة في توظيف المادة التاريخية ووضعها بؤرة حلم كفردوس يستفاد يوماً منه . وفي تجربته السردية وهي الأهم لطابعها التاسيسي ، تذهب التجربة إلى أبعد ما ذهبت إليه تجربته الشعرية ، وذلك لأن الشاعر نفسه نظر إلى الشعر متهيبا متريثا ، ما عزى به إلى الإنصراف عنه فترة طويلة من عمره الإبداعي وتفرغه للكتابة النثرية. بل أنه يعزو نثر مجموعته الشعرية المتميزه الفجر الزاحف مساهمة منه في الدعوة والعمل لمستقبل بلاده غاضاً النظر عنه كتجربة شعرية رائد في لغتها وتشكيلها.


هنا يخدم الحس التاريخي ، إذكاء وتنوع التجربه الإبداعية لدى الإستاذ الطائي ، لأن الكاتب أمام إتساع تجربته الإبداعية و انفتاحها على تجارب في الشعر والقصه والرواية والمسرحية والمقالة والدراسة ، كان لابد له من الوقوف على أرضية تكون الرابط بين مفردات التنوع لديه ، حلقة الوصل هذه هي الثقافة التاريخية الرفيعة التي أكتسبها هذا الأديب منذ صباه ، أي منذ بداية تفتح موهبته الأدبية وإثرائها بالمتابعة العملية المستمرة ، وكأنها فضلاً عن ضرورتها الأدبية ، لزوم الحراك السياسي الذي عرف به الاستاذ الطائي متلازماً وتجربته الإبداعية .


هكذا تتأسس في الأدب المعاصر بالخليج أول تجربة روائية تاريخية ، فالطائي يعود إلى الذاكرة التاريخية القريبة في ملائكة الجبل الأخضر ، ثم يعود إليها ثانية عبر حقبة اليعاربة في الشراع الكبير. المادة التاريخية جذر كتابة جديدة في السرد ، مثلما كانت تواصلاً لكتابة إبداعية جديدة في الشعر. أمام في المقالة والدراسة فهي الإضاءة المنيرة حقاً ، لأنها هنا تذهب إلى المساهمة الجادة في الريادة التنويرية ، في أرض أغلق المستعمر أبوابها ونوافذها أمام كل فكرة تنويرية جادة وجديدة.


هنا نعود إلى أول كتاب تنويري في التاريخ العماني الحديث ، ألا وهي الرسالة التاريخية التي وجهها الشاعر البهلاني إلى الإمام سالم بن راشد الخروصي ، حيث تبدأ بالدعوة إلى نبذ التعصب القبلي والمذهبي ، ونشر التعليم الحديث والتعاضد والإنفتاح على الشعوب العربية والإسلامية ، يعين الوصول إلى تأسيس مجتمع منفتح على العالم أجمع .


هكذا نحد أنفسنا أمام إمتداد طريق الحركة التنويرية في الشرق العربي التي أعطت لنا تجارب ابداعية تمثلت في حركة تأسيس الصحافة العمانية في المهجر الأفريقي ، وحركة تاسيس التجربة الإبداعية في الوطن الأم لدى سليمان بن سعيد الكندي شعرياً ، المتأثر في ذلك بتجربة المجاهد الليبي سليمان الباروني مثلما أسلفت . ثم ذهبت في أوجها لدى الأستاذ عبدالله بن محمد الطائي.


لقد تقاطع الطائي مع حركة التنوير العربي سواءً عبر ثقافتنا المتجدده التي تأسست على قراءته لرموزها و كتابته عنهم او عبر معرفته الشخصية بأهم رموزها في الخليج والجزيرة العربية بشكل عام .


أنه الأقرب إلى صوت الشاعر اليمني محمد محمود الزبيري ، من حيث تماثل تجربتهما في المنفى و الشعر الوطني والموقف الوطني السياسي ، وبالطبع فإن الطائي كان مدركاً هذا التقارب الجميل بين تجربته والزبيري ، وقد وثق ذلك في قراءة حميمه لتجربته كتبها راثيا عند سماع خبر إغتياله 1965 م.


وخليجيا مع صداقاته المتعدده لرموز الأبداع في جيله ، فقد اقتربت تجربته من صديقه الشاعر صقر بن سلطان القاسمي ، حيث قدمه في وقت مبكر كمناضل وطني و قومي فضلاً عن تقديم تجربته الشعريه المتجدده.


لقد آمن الطائي بانتمائه إلى الخليج و إلى الجزيرة العربية كدائرة أوسع تضم أنباءها جميعاً في مواجهة المؤامرات التي تحاك عليها من القوى الإستعمارية الطامعة في ثرواتها .


هذا الأديب الرائد عبر عمره القصير لكنه العميق في ثرائه الإبداعي ، آمن بهذه الصيرورة ... صيرورة التحول ، عدم بقاء الأشياء في مكانها ، بها تقدم العطاء الإنساني نحو الأفضل دوماً ، مثلما آمن بذلك منذ أول كتبه الشعريه : الفجر الزاحف .

سماء عيسى - يونيو 2009 
المصدر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة