إعتزال مدون عماني
مازن الطائي
لي صديق تعرفت عليه عبر مشاركاته في المنتديات العمانية … و من ثم عبر مدونته الخاصة التي كان خلالها يطرح أفكاره و ما يدور في خاطره من شجن و أحزان و تطلعات و آمال و بحثا عن كيان و علم و معرفة .. إلخ. لا أنكر أني أعجبت بقدرة هذا الصديق الكتابية مقدرا براعته في التعبير و سرده لما يجول في فكره و باله عبر كتاباته.
هذا الصديق فاجأني يوما بزيارة قصيرة عابرة للسلام … مع ثلة من الأصدقاء جمعتهم هواية التدوين و الكتابة الإنترنتية … معبرين بذلك عن الكثير مما يجول في خواطرهم من تساؤلات و خواطر و معلومات باحثين عن أمور كثيرة منها حب المعرفة و الاطلاع عبر ما توفره لهم الشبكة العنكبوتية من حرية في التعبير و الكتابة و معلومات لا يتمكنون في الحصول عليها عبر وسائل الإعلام الرسمية و المقننة و الموجهة من قبل الحكومة أو الحكومات.
كان أولئك الزوار الضيوف مجموعة من الشباب جمعهم حب العلم و المعرفة و البحث عن المعلومة خصوصا تلك التي تعنى بوطنهم “سلطنة عمان” … لا شك أني ذهلت و قدرت و احترمت تلك المجموعة ، و لم لا ؟ فهم في أعمارهم لا يتجاوزون الثلاثين عاما جمعتهم مهنة الهندسة و الدراسة الجامعية العليا … فمنهم من يحضر لدراسة الدكتوراه في الهندسة و الماجستير في إدارة الإعمال و العمل في الشركات النفطية … و لكن ذلك الشخص – عنوان الموضوع – يختلف عن بقية رفاقه فهو لا يزال طالبا جامعيا يحضر لدراسة البكالريوس في تخصص مثير للجدل في إحدى الدول النائية سواء في تسمية ذلك التخصص باعتباره فرعا من فروع العلوم الهندسية أو بما يتعلق بالشؤون الدينية … ذلك التخصص يطلق عليه الهندسة الوراثية أو العلوم الوراثية أو الطب الوراثي. و في الحقيقة قدرت أولئك الشباب الذين أستطيع إطلاق عليهم “النخبة” من الشباب العماني بسبب تعطشهم للعلم و المعرفة و المعلومة رغم صغر سنهم و الإغراءات العديدة في هذه الحياة من مادة و ملذات و وسائل اللهو العديدة … و المناصب في الدولة التي مغرياتها تحتم على البعض التنازل و التغاضي عن مبادئهم و معتقداتهم الفكرية.
كان لذلك الصديق مدونة خاصة به … يدون فيها خواطره و ذكرياته و انطباعاته و زيارته و اتصالاته و يطرح من خلالها مواضيع و مقالات و كتب استحوذت على اهتمامه … كنت أقوم بتصفح تلك المدونة لهذا الصديق الذي جمعني معه إعجابي بمتنبي العرب في القرن العشرين الشاعر الكبير نزار قباني … نعم نزار بقصائده المثيره للجدل عن المرأة و السياسة و جمال عبدالناصر و الملك حسين و بقية الحكام و القادة العرب.
كان هذا الصديق يستشيرني في بعض الأحيان في بعض المواضيع التي تطرح في المنتديات الإليكترونية و ما رأيي و موقفي منها … آخر تلك الإستشارات أو التساءلات كانت عن “العريضة الدستورية” التي طالب بها البعض من الشباب العماني و التي يمكن اختصار مطالبها بتحويل “سلطنة عمان” إلى سلطنة دستورية تكون السلطة التنفيذية فيها لدى رئيس الوزراء … إسوة بما هو معمول به في الكثير من دول العالم و منها المملكة المتحدة أقدم دولة ديمقراطية في العالم و هي كذلك الدولة التي تربطها علاقات سياسية و أمنية و تاريخية وطيدة مع وطننا “سلطنة عمان” و سلاطينها.
كان ردي – و ليس رأيي – على ذلك الاستفسار هو ببساطة عبارة يرددها إخواننا في أرض الكنانة – مصر – أو أم الدنيا: “كان غيرك أشطر منك” …. أي بمعنى أن الذين حاولوا من قبل و طالبوا بذلك في فترات عدة من تاريخ الوطن في فترة الأربعينات و الخمسينات و الستينات و مطلع السبعينات من القرن العشرين – و هم كانوا النخبة المثقفة من أبناء الوطن – كان مسعاهم مصيرة الفشل بل واجهوا الاقصاء و التهميش إن لم يكن الإذلال و الإبعاد و محاولة وصمهم بالخيانة و الخروج عن الطاعة.
انقطعت أخبار الصديق … لم يعد يكتب أو يدون في المنتديات أو منتداه المفضل أو حتى يتواصل عبر وسائل الاتصال الحديثة … بحثت عن مدونته و في مواضيعه التي كان يكتبها … لم أجد سوى كلمتين … و هما: “الحارة أكبر” تاركا ورائهما لغزا يدعونا للتساؤل أين صديقنا و ماذا حدث له و لمدونته ؟ … و ما أسباب إعتكافه أو إعتزاله ؟
فهل يكون ذلك نتيجة تأييده للعريضة الدستورية – التي من حق كل شعب حر المطالبة بها – حدث شيئا ما له ؟
أم أن اعتزاله هو رغبة شخصية منه بعد أن أدرك معنى عبارة “كان غيرك أشطر منك” … و أننا لا نزال نعيش و يجب أن نعيش و نتعايش مع و نقدس و نتقبل حكم الفرد الواحدة و نخبته الحاكمة المهيمنة !
المصدر مجلة الفلق الألكترونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق