المهندس النسر المرحوم مازن الطائي

المهندس   النسر المرحوم مازن الطائي
المهندس المرحوم مازن الطائي

سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء

أرنو ألى الشمس هازئا في السحب والأمطار والأنواء

لا ألمح الظل الكئيب ولا أرى ما في قرار الهوة السوداء

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

سلطنة عمان و الإصلاح في الأحداث الأخيرة ...

بقلم … مازن بن عبدالله الطائي


شهدت سلطنة عمان منذ 26 فبراير 2011 أحداثا … أو بالأحرى منذ انتهاء حكومة البلاد الإحتفال بالعيد الوطني الأربعين للسلطنة و ذكرى مرور أربعين عاما على تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله – مقاليد الحكم، خلفا للمرحوم والده السلطان سعيد بن تيمور – رحمه الله – إثر انقلاب أبيض أشرق من خلاله فجر جديد – في ذلك الوقت – على هذا الوطن العربي و شعبه المجيد …


… هذه الأحداث نتجت عن مسببات عدة أهمها تفاعل شعب سلطنة عمان مع الأحداث و الانتفاضات الشعبية التي عمت الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه أو من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر” و كذلك خيبة أمل شرائح و أطياف عدة في المجتمع العماني من سياسات الحكومة و توجهاتها و استياء الأوساط الشعبية من تصرف مسؤوليها من وزراء و كبار موظفين و انتشار الشلليات” و اللوبيات” و المحسوبيات” في أروقتها، و ما تبع ذلك من قرارات و تعيينات خيبت توقعات المواطن البسيط في تحسن الأمور بين دفة قيادة البلاد التي تكدس في عقولها غبار الزمن نتيجة بقائها على كرسي السلطة عشرات من السنين … فلم تستطع تفهم احتياجات المواطن و تحسين حال معيشته و توفير العيش الكريم له و لأبنائه وفق فرص من المساواة و العدل و الانصاف بين جميع المواطنين و شرائح المجتمع العماني كافة … بينما اتسعت الهوة بين أولئك المهيمنين على التجارة و الاقتصاد في البلاد و بقية أفراد الشعب … فالثري ازداد ثراء بينما بقي المواطن متوسط الدخل أو الفقير على حالة إن لم يزد سوء، كما ظهرت طبقة جديدة في المجتمع العماني مدعومة من السلطة و صناع القرار فيها أثر و نمى ازدهار دخلها المالي و مستواها الاجتماعي على حساب مصلحة و راحة و معيشة المواطن العادي البسيط.


… فكانت انتفاضة 26 فبراير 2011 التي قادها بعض شباب منطقة ساحل الباطنة في مدينة صحار … و منطقة ساحل الباطنة هي أكثر مناطق السلطنة في الكثافة السكانية كما عرف عنها وجود القبائل قوية الشكيمة المؤيدة لحكم أسرة آل سعيد في مسقط … تبعها بعد ذلك انتفاضات و اعتصامات في عدة مدن رئيسية عمانية … لعل أبرزها العاصمة مسقط.


لم نكن نود أن نرى مثل هذه الأحداث أن تقع في بلادنا سلطنة عمان” و خصوصا و أن حكومتها انتهت للتو من احتفالاتها بالعيد الوطني و الذكرى الأربعين لتربع عاهل البلاد على عرش حكم آبائه و أجداده … و لكن ما الذي دفع الشباب إلى مثل هذه الاعتصامات؟ و ما المسببات التي أدت لحدوث ذلك؟؟ … الجواب ببساطة هو الحكومة نفسها و سياساتها التي لم تراعي الظروف و الاحتياجات المعيشية و الوظيفية للمواطن العماني ظنا منها أن ما تحقق من تنمية و تطوير و إصلاحات في أنظمة البلاد حققت أهدافها … بل أكثر من ذلك !!! … فكانت الفجوة … فجوة التواصل بين الحكومة و المواطن … و بين الحاكم و المحكوم … و بين الخطط و السياسات المعلنة من قبل الحكومة … و بين واقع حال المواطن العماني في مختلف مناطق السلطنة.


تدارك سلطان البلاد – حفظه الله – هذا الوضع المستجد و بادر … بل سارع في تحقيق مطالب شباب البلاد متفهما و معلنا حق المواطن في التظاهر و الاعتصام و الطلب السلمي” … بل حقق أكثر من تلبية تلك المطالب بخلع أهم رموز حكومته على مدى ثلاثين عاما أو أكثر و استبدالهم بوزراء شباب جدد … أو تدوير بعض الوزراء القدامى و منحهم حقائب وزارية جديدة.


أهم تلك التغييرات التي أتت وفق مطالب شعبية كانت:


الإطاحة بخمس شخصيات جوهرية في الحكومة.


إلغاء وزارة هامة – وزارة الاقتصاد الوطني – و إلحاق مهامها و تفتيتها في أروقة مجلس الوزراء – إلى إشعار آخر – و إعفاء وزيرها الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الشؤون المالية و موارد الطاقة وزير الاقتصاد الوطني. هذه الوزارة التي مع توأمتها وزارة المالية – و التي كان يشرف عليها وزير الاقتصاد الوطني – أدت قراراتها و خططها إلى تلبيد العهد الإصلاحي و التنموي لصاحب الجلالة بالغيوم السوداء و ذلك بسبب قراراتها الجائرة بحق المواطن البسيط و عيشه الكريم.


إعفاء وزير المكتب السلطاني الذي كان أقرب المقربين لجلالة السلطان، و من يثق بهم ثقة كبيرة و نال حظوة كبيرة من لدن جلالته … و تعيين شخص مقرب جدا من السلطان بدلا عنه … وزارة المكتب السلطاني – مصنع القدرات و الخبرات في سلطنة عمان” – كما يحلو لمنتسبيها الإطلاق عليها … هذه الوزارة التي بحق لها دور كبير في عهد جلالة السلطان و بها من الإيجابيات و السلبيات في هذا الدور ما يحتاج لمقالة أو بحث مستقل.


إعفاء وزير الديوان السلطاني و استبداله بوزير عرف عن عائلته الكثير من التاريخ و الدور و الاسهام في حكم سلاطين عمان و الثقة التي تتمتع بها هذه العائلة في أروقة الحكم.


إعفاء وزير التجارة و الصناعة بسبب التذمر المعيشي و غلاء الأسعار و سياسات الوزارة التي خضعت لإملاءات منظمة التجارة العالمية (WTO) دون مراعاة ظروف المجتمع العماني و احتياجاته …


إعفاء المفتش العام للشرطة و الجمارك و تعيين شخص مقرب جدا من جلالة السلطان بدلا عنه … المفتش العام السابق – الذي بحق يجب أن يطلق عليه بـ”جوكر” الحكومة العمانية – كونه شغل مناصب عدة في الحكومة و تولى حقائب وزارية عديدة و ترأس مجالس و أشرف على مشاريع حكومية عدة إضافة إلى مكانته في وزارة المكتب السلطاني … فقد كان حنونا رفيقا ودودا طيبا مع أعوانه و أزلامه و أذنابه … شديدا صارما قاسيا عبوسا مع شعبه … و عموما هذا حال معظم المسؤولين في سلطنة عمان.


بهذا ذهب أركان الحكم الذي اعتمد عليهم جلالة السلطان في إدارة شؤون بلاده و شعبه على مدى خمسة و ثلاثين عاما … خلعهم السلطان أم الشعب؟؟؟! … – الله أعلم – … و لكن طريقة خروجهم و خلعهم من مناصبهم مدعاة ابتهاج و فرح و سرور للشعب و مزيدا من الولاء و الامتنان لعاهل البلاد الذي أخذ يستجيب لمطالب شعبه على مراحل مدروسة متداركا أخطاء سببها أولئك المسؤولون و أعوانهم.


… و لكن ما جدوى تغيير الوجوه … إن لم تتغير السياسات و النظر برفق و حنان و رعاية لاحتياجات المواطن و التخفيف عن كاهله و ما يؤرق تفكيره و ضمان مستقبله و مستقبل أبنائه و توزيع عادل لثروة الوطن بين مواطنيه … و هنا يقع الأمر على عاتق المسؤول الجديد … فيجب عليه تدارك أخطاء الماضي … فهو يدين في وظيفته و مسؤوليته الجديدة بعد الله سبحانه و تعالى و جلالة السلطان إلى أولئك الشباب من أبناء صحار الذين طالبوا بحقوق لهم قيدها أولئك المسؤولون السابقين و حطموا طموحات و أحلام العديد من الشباب و الكفاءات العمانية … و هنا أخص المسؤولية بوزير المكتب السلطاني و وزير الديوان السلطاني الجديدين كونهما همزة الوصل بين جلالة السلطان – حفظه الله – و الحكومة و المواطن فعليهما في واقع الأمر مراجعة مسببات التذمر الشعبي الذي ساد شريحة عظمى من المواطنين … و كذلك الوزير المسؤول عن الشؤون المالية الجديد فعليه أن يتدارك الأخطاء أو الهفوات التي وقع بها في منصبيه السابقين كوكيلا لوزارة المالية و أمينا عاما لها و هو أدرى بهذه الأخطاء و الهفوات كونه رجل عاصر رسم سياسات الوزارتين التوأمتين – وزارة المالية و وزارة الإقتصاد الوطني – و خططهما و موازنتهما التنموية في عهدي وزيرين متنفذين لهما منذ عام 1985 أو قبل ذلك … بل كان عرابا منفذا لتلك السياسات و الخطط.


… إن انتفاضة الشباب العماني في 26 فبراير 2011 يجب أن ننظر إليها بشكل إيجابي رغم السلبيات التي إعترت بعض جوانبها. فهي نبهت و ألحت و أوجبت الإصلاح و التغيير و التطوير و ألزمت تدارك التجاوزات التي قام بها بعض المسؤولين فأساؤوا بذلك إلى العهد الإصلاحي و التنموي لجلالة السلطان – حفظه الله – … و نبهت أيضا إلى ضرورة تفهم احتياجات الجيل الجديد من الشباب العماني الذي فتح عينه و نشأ في هذا العهد … عهد النماء و التطور و الإصلاح في عصر به المعلومة تنساب لمريدها عبر وسائل شتى من تقنيات الاتصال و المعلوماتية … هذه الضرورة تحكم علينا أن ننظر للمستقبل بعين هذا الجيل الصاعد الذي أصبح تفكيره و تطلعاته متوازية مع تفكير و تطلعات غيره من أبناء الشعوب و الأمم الأخرى و خصوصا المتقدمة منها … فالعمانيون اليوم ما عادوا بعزلة و تقوقع و باب منغلق مفروض عليهم موصود في وجوههم … فالانفتاح على العالم وقع منذ بدايات الساعات الأولى لـ 23 يوليو 1970 و طموحات سلطان البلاد لمستقبل مشرق لبلاده و أبناء شعبه.


كانت الحكومة السابقة” بوزرائها المخضرمين منذ عقود تتباهى بالشفافية و الصراحة و الوضوح و الإصلاح و التطوير … و كانت غائبة عن كل ذلك … و اليوم نطالب مسؤولينا الجدد بمزيد من الشفافية و الرقابة و وضوح الأمور في أروقة الحكومية خدمة لمصلحة الوطن و المواطن … كما نطالب بمزيد من حرية الكلمة و تكسير ما يكبلها و من يقف في طريقها … لتنطلق الكلمة العمانية حرة صافية راغبة في المساهمة في بناء الوطن و موجهة لأجياله و مستقبله. كذلك إن على المسؤولين الجدد إعادة رسم الصورة الجميلة للحكومة التي تم تشويهها إثر تصرفات و قرارات المسؤولين القدامى … و ترميم جسر التواصل بين الحكومة و بين المواطنين و الذي يبدو أنه أنهك و لم تتم صيانته بشكل جيد للأسباب نفسها التي تحدثنا عنها و إعادة الثقة بين الحكومة و بين المواطنين الذين أحسوا أن سياسات الحكومة و قراراتها خذلتهم و لم تتواكب و تتواءم مع تطلعاتهم و آمالهم.


و على المواطن أن يقف مع المسؤول الشريف المخلص و أن يكشف القصور إذا وجد … خدمة للوطن لا بهدف التشهير و النقد اللامبرر و الغير المدعم بالأدلة.


كما أود أن أشير أن تكراري لكلمة إصلاح” في هذا المقال هو تأكيد أن عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيد هو عهد إصلاح و تنمية و رقي و تطوير… و إن الإصلاح الذي أقصده هو إصلاح ما أعطبه بعض المسؤولين في الحكومة العمانية بتصرفاتهم التي أساؤوا بها لمن رفعهم عليا و أعزهم غير عابئين بسمعة وطنهم و كرامة شعبهم و مصداقية قائدهم. فقد كان هنالك عطب و عطل في أداء الحكومة … لزم إصلاحهما و تفاديهما.


… و الإصلاح يجب أن لا يكون كلمة مطاطة تفسر حسب توجهات و مطالب معنية … و يمكن تعريفه بأنه إدخال تغييرات و تطورات في نظام ما من أجل تحسين و رفع كفاءة الأداء و الإنتاجية في مؤسسات الدولة و هو كذلك لا يعني أنه بتطبيق الإصلاح لا توجد أنظمة و قوانين و تشريعات و إنجازات قبل ذلك … بل أن الإصلاح هو يهدف إلى تطوير و تحسين تلك الأنظمة و القوانين و التشريعات و المضي قدما في الإنجازات و رفع كفاءة الأداء و الإنتاجية من أجل تحقيق معدلات تنموية عالية خدمة للمجتمع و أفراده … و بالنسبة لسلطنة عمان كدولة نامية (Developing Country) فإن الإصلاح فيها يمكن أن يطبق على مختلف المستويات التشريعية و القضائية و التنظيمية و التشغيلية و التنفيذية بهدف تحسين و تطوير المستوى المعيشي للشعب و تطوير الأداء الوظيفي لمختلف مؤسسات القطاعين العام و الخاص … و هذا يعني تطوير في السياسات الاقتصادية و مؤسسات الخدمة المدنية و مؤسسات الإدارة المالية العامة و مؤسسات الخدمات التعليمية من مدارس و معاهد و جامعات و مراكز تدريب و الخدمات الصحية و قطاعات الخدمات الأخرى. و هنا يجب علينا أن نفرق ما يعنيه الإصلاح أو ما يهدف إليه في مفهوم الدول المتقدمة (Developed Countries) و الدول النامية (Developing Countries) و الدول الأقل نموا (Leased Developed Countries) … فاحتياجات الدول من الإصلاح يتوقف على تصنيفها في معدلات نمو القطاعات المختلفة فيها.


نعم لبناء الوطن … مع المسؤول الشريف الذي يراعي مواطنيه … و لا يستعلي عليهم و هو يأكل من خيرات وطنهم. نريد من وزرائنا في التشكيلة الجديدة لمجلس الوزراء أن يتسموا بالتواضع و الروح السمحة و التسامح و إثبات الذات و الكفاءة و الإخلاص و المثابرة و تقبل الرأي الآخر لا بالقمع و الترهيب … كما كانوا قبل تعيينهم في مناصبهم … و أن لا يؤثر فيهم المنصب فيكونوا على مستوى الثقة و المسؤولية التي أنيطت بهم … فالكرسي لا يدوم … و هو دوار … و يبقى الذكر الطيب و المعروف الحسن.


كما أن على الوزراء القدامي من بقوا في مناصبهم أن يكونوا صادقين في تصريحاتهم و أن لا يركبوا موجة التغيير و التطوير و الإصلاح من أجل بقائهم في مناصبهم بل عليهم الإقرار و الاعتراف بأنه كان هنالك تقصير في أداء وزاراتهم و قصور في خططها و برامجها كما هو حاصل في بعض الوزارات الخدماتية التي بقي وزارئها في مناصبهم.


… انظروا لمن تم خلعهم مؤخرا … لعلهم يكونوا بطريقة خروجهم من السلطة و دائرة الضوء و صنع القرار و الرسميات و البهرجة عبرة لمن اعتبر” …


حفظ الله الوطن عمان”.  


منقول  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة