بقلم … مازن بن عبدالله الطائي
شهدت سلطنة عمان منذ 26 فبراير 2011 أحداثا … أو بالأحرى منذ انتهاء حكومة البلاد الإحتفال بالعيد الوطني الأربعين للسلطنة و ذكرى مرور أربعين عاما على تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله – مقاليد الحكم، خلفا للمرحوم والده السلطان سعيد بن تيمور – رحمه الله – إثر انقلاب أبيض أشرق من خلاله فجر جديد – في ذلك الوقت – على هذا الوطن العربي و شعبه المجيد …
… هذه الأحداث نتجت عن مسببات عدة أهمها تفاعل شعب سلطنة عمان مع الأحداث و الانتفاضات الشعبية التي عمت الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه أو من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر” و كذلك خيبة أمل شرائح و أطياف عدة في المجتمع العماني من سياسات الحكومة و توجهاتها و استياء الأوساط الشعبية من تصرف مسؤوليها من وزراء و كبار موظفين و انتشار الشلليات” و اللوبيات” و المحسوبيات” في أروقتها، و ما تبع ذلك من قرارات و تعيينات خيبت توقعات المواطن البسيط في تحسن الأمور بين دفة قيادة البلاد التي تكدس في عقولها غبار الزمن نتيجة بقائها على كرسي السلطة عشرات من السنين … فلم تستطع تفهم احتياجات المواطن و تحسين حال معيشته و توفير العيش الكريم له و لأبنائه وفق فرص من المساواة و العدل و الانصاف بين جميع المواطنين و شرائح المجتمع العماني كافة … بينما اتسعت الهوة بين أولئك المهيمنين على التجارة و الاقتصاد في البلاد و بقية أفراد الشعب … فالثري ازداد ثراء بينما بقي المواطن متوسط الدخل أو الفقير على حالة إن لم يزد سوء، كما ظهرت طبقة جديدة في المجتمع العماني مدعومة من السلطة و صناع القرار فيها أثر و نمى ازدهار دخلها المالي و مستواها الاجتماعي على حساب مصلحة و راحة و معيشة المواطن العادي البسيط.
… فكانت انتفاضة 26 فبراير 2011 التي قادها بعض شباب منطقة ساحل الباطنة في مدينة صحار … و منطقة ساحل الباطنة هي أكثر مناطق السلطنة في الكثافة السكانية كما عرف عنها وجود القبائل قوية الشكيمة المؤيدة لحكم أسرة آل سعيد في مسقط … تبعها بعد ذلك انتفاضات و اعتصامات في عدة مدن رئيسية عمانية … لعل أبرزها العاصمة مسقط.
لم نكن نود أن نرى مثل هذه الأحداث أن تقع في بلادنا سلطنة عمان” و خصوصا و أن حكومتها انتهت للتو من احتفالاتها بالعيد الوطني و الذكرى الأربعين لتربع عاهل البلاد على عرش حكم آبائه و أجداده … و لكن ما الذي دفع الشباب إلى مثل هذه الاعتصامات؟ و ما المسببات التي أدت لحدوث ذلك؟؟ … الجواب ببساطة هو الحكومة نفسها و سياساتها التي لم تراعي الظروف و الاحتياجات المعيشية و الوظيفية للمواطن العماني ظنا منها أن ما تحقق من تنمية و تطوير و إصلاحات في أنظمة البلاد حققت أهدافها … بل أكثر من ذلك !!! … فكانت الفجوة … فجوة التواصل بين الحكومة و المواطن … و بين الحاكم و المحكوم … و بين الخطط و السياسات المعلنة من قبل الحكومة … و بين واقع حال المواطن العماني في مختلف مناطق السلطنة.
تدارك سلطان البلاد – حفظه الله – هذا الوضع المستجد و بادر … بل سارع في تحقيق مطالب شباب البلاد متفهما و معلنا حق المواطن في التظاهر و الاعتصام و الطلب السلمي” … بل حقق أكثر من تلبية تلك المطالب بخلع أهم رموز حكومته على مدى ثلاثين عاما أو أكثر و استبدالهم بوزراء شباب جدد … أو تدوير بعض الوزراء القدامى و منحهم حقائب وزارية جديدة.
أهم تلك التغييرات التي أتت وفق مطالب شعبية كانت:
الإطاحة بخمس شخصيات جوهرية في الحكومة.
إلغاء وزارة هامة – وزارة الاقتصاد الوطني – و إلحاق مهامها و تفتيتها في أروقة مجلس الوزراء – إلى إشعار آخر – و إعفاء وزيرها الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الشؤون المالية و موارد الطاقة وزير الاقتصاد الوطني. هذه الوزارة التي مع توأمتها وزارة المالية – و التي كان يشرف عليها وزير الاقتصاد الوطني – أدت قراراتها و خططها إلى تلبيد العهد الإصلاحي و التنموي لصاحب الجلالة بالغيوم السوداء و ذلك بسبب قراراتها الجائرة بحق المواطن البسيط و عيشه الكريم.
إعفاء وزير المكتب السلطاني الذي كان أقرب المقربين لجلالة السلطان، و من يثق بهم ثقة كبيرة و نال حظوة كبيرة من لدن جلالته … و تعيين شخص مقرب جدا من السلطان بدلا عنه … وزارة المكتب السلطاني – مصنع القدرات و الخبرات في سلطنة عمان” – كما يحلو لمنتسبيها الإطلاق عليها … هذه الوزارة التي بحق لها دور كبير في عهد جلالة السلطان و بها من الإيجابيات و السلبيات في هذا الدور ما يحتاج لمقالة أو بحث مستقل.
إعفاء وزير الديوان السلطاني و استبداله بوزير عرف عن عائلته الكثير من التاريخ و الدور و الاسهام في حكم سلاطين عمان و الثقة التي تتمتع بها هذه العائلة في أروقة الحكم.
إعفاء وزير التجارة و الصناعة بسبب التذمر المعيشي و غلاء الأسعار و سياسات الوزارة التي خضعت لإملاءات منظمة التجارة العالمية (WTO) دون مراعاة ظروف المجتمع العماني و احتياجاته …
إعفاء المفتش العام للشرطة و الجمارك و تعيين شخص مقرب جدا من جلالة السلطان بدلا عنه … المفتش العام السابق – الذي بحق يجب أن يطلق عليه بـ”جوكر” الحكومة العمانية – كونه شغل مناصب عدة في الحكومة و تولى حقائب وزارية عديدة و ترأس مجالس و أشرف على مشاريع حكومية عدة إضافة إلى مكانته في وزارة المكتب السلطاني … فقد كان حنونا رفيقا ودودا طيبا مع أعوانه و أزلامه و أذنابه … شديدا صارما قاسيا عبوسا مع شعبه … و عموما هذا حال معظم المسؤولين في سلطنة عمان.
بهذا ذهب أركان الحكم الذي اعتمد عليهم جلالة السلطان في إدارة شؤون بلاده و شعبه على مدى خمسة و ثلاثين عاما … خلعهم السلطان أم الشعب؟؟؟! … – الله أعلم – … و لكن طريقة خروجهم و خلعهم من مناصبهم مدعاة ابتهاج و فرح و سرور للشعب و مزيدا من الولاء و الامتنان لعاهل البلاد الذي أخذ يستجيب لمطالب شعبه على مراحل مدروسة متداركا أخطاء سببها أولئك المسؤولون و أعوانهم.
… و لكن ما جدوى تغيير الوجوه … إن لم تتغير السياسات و النظر برفق و حنان و رعاية لاحتياجات المواطن و التخفيف عن كاهله و ما يؤرق تفكيره و ضمان مستقبله و مستقبل أبنائه و توزيع عادل لثروة الوطن بين مواطنيه … و هنا يقع الأمر على عاتق المسؤول الجديد … فيجب عليه تدارك أخطاء الماضي … فهو يدين في وظيفته و مسؤوليته الجديدة بعد الله سبحانه و تعالى و جلالة السلطان إلى أولئك الشباب من أبناء صحار الذين طالبوا بحقوق لهم قيدها أولئك المسؤولون السابقين و حطموا طموحات و أحلام العديد من الشباب و الكفاءات العمانية … و هنا أخص المسؤولية بوزير المكتب السلطاني و وزير الديوان السلطاني الجديدين كونهما همزة الوصل بين جلالة السلطان – حفظه الله – و الحكومة و المواطن فعليهما في واقع الأمر مراجعة مسببات التذمر الشعبي الذي ساد شريحة عظمى من المواطنين … و كذلك الوزير المسؤول عن الشؤون المالية الجديد فعليه أن يتدارك الأخطاء أو الهفوات التي وقع بها في منصبيه السابقين كوكيلا لوزارة المالية و أمينا عاما لها و هو أدرى بهذه الأخطاء و الهفوات كونه رجل عاصر رسم سياسات الوزارتين التوأمتين – وزارة المالية و وزارة الإقتصاد الوطني – و خططهما و موازنتهما التنموية في عهدي وزيرين متنفذين لهما منذ عام 1985 أو قبل ذلك … بل كان عرابا منفذا لتلك السياسات و الخطط.
… إن انتفاضة الشباب العماني في 26 فبراير 2011 يجب أن ننظر إليها بشكل إيجابي رغم السلبيات التي إعترت بعض جوانبها. فهي نبهت و ألحت و أوجبت الإصلاح و التغيير و التطوير و ألزمت تدارك التجاوزات التي قام بها بعض المسؤولين فأساؤوا بذلك إلى العهد الإصلاحي و التنموي لجلالة السلطان – حفظه الله – … و نبهت أيضا إلى ضرورة تفهم احتياجات الجيل الجديد من الشباب العماني الذي فتح عينه و نشأ في هذا العهد … عهد النماء و التطور و الإصلاح في عصر به المعلومة تنساب لمريدها عبر وسائل شتى من تقنيات الاتصال و المعلوماتية … هذه الضرورة تحكم علينا أن ننظر للمستقبل بعين هذا الجيل الصاعد الذي أصبح تفكيره و تطلعاته متوازية مع تفكير و تطلعات غيره من أبناء الشعوب و الأمم الأخرى و خصوصا المتقدمة منها … فالعمانيون اليوم ما عادوا بعزلة و تقوقع و باب منغلق مفروض عليهم موصود في وجوههم … فالانفتاح على العالم وقع منذ بدايات الساعات الأولى لـ 23 يوليو 1970 و طموحات سلطان البلاد لمستقبل مشرق لبلاده و أبناء شعبه.
كانت الحكومة السابقة” بوزرائها المخضرمين منذ عقود تتباهى بالشفافية و الصراحة و الوضوح و الإصلاح و التطوير … و كانت غائبة عن كل ذلك … و اليوم نطالب مسؤولينا الجدد بمزيد من الشفافية و الرقابة و وضوح الأمور في أروقة الحكومية خدمة لمصلحة الوطن و المواطن … كما نطالب بمزيد من حرية الكلمة و تكسير ما يكبلها و من يقف في طريقها … لتنطلق الكلمة العمانية حرة صافية راغبة في المساهمة في بناء الوطن و موجهة لأجياله و مستقبله. كذلك إن على المسؤولين الجدد إعادة رسم الصورة الجميلة للحكومة التي تم تشويهها إثر تصرفات و قرارات المسؤولين القدامى … و ترميم جسر التواصل بين الحكومة و بين المواطنين و الذي يبدو أنه أنهك و لم تتم صيانته بشكل جيد للأسباب نفسها التي تحدثنا عنها و إعادة الثقة بين الحكومة و بين المواطنين الذين أحسوا أن سياسات الحكومة و قراراتها خذلتهم و لم تتواكب و تتواءم مع تطلعاتهم و آمالهم.
و على المواطن أن يقف مع المسؤول الشريف المخلص و أن يكشف القصور إذا وجد … خدمة للوطن لا بهدف التشهير و النقد اللامبرر و الغير المدعم بالأدلة.
كما أود أن أشير أن تكراري لكلمة إصلاح” في هذا المقال هو تأكيد أن عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيد هو عهد إصلاح و تنمية و رقي و تطوير… و إن الإصلاح الذي أقصده هو إصلاح ما أعطبه بعض المسؤولين في الحكومة العمانية بتصرفاتهم التي أساؤوا بها لمن رفعهم عليا و أعزهم غير عابئين بسمعة وطنهم و كرامة شعبهم و مصداقية قائدهم. فقد كان هنالك عطب و عطل في أداء الحكومة … لزم إصلاحهما و تفاديهما.
… و الإصلاح يجب أن لا يكون كلمة مطاطة تفسر حسب توجهات و مطالب معنية … و يمكن تعريفه بأنه إدخال تغييرات و تطورات في نظام ما من أجل تحسين و رفع كفاءة الأداء و الإنتاجية في مؤسسات الدولة و هو كذلك لا يعني أنه بتطبيق الإصلاح لا توجد أنظمة و قوانين و تشريعات و إنجازات قبل ذلك … بل أن الإصلاح هو يهدف إلى تطوير و تحسين تلك الأنظمة و القوانين و التشريعات و المضي قدما في الإنجازات و رفع كفاءة الأداء و الإنتاجية من أجل تحقيق معدلات تنموية عالية خدمة للمجتمع و أفراده … و بالنسبة لسلطنة عمان كدولة نامية (Developing Country) فإن الإصلاح فيها يمكن أن يطبق على مختلف المستويات التشريعية و القضائية و التنظيمية و التشغيلية و التنفيذية بهدف تحسين و تطوير المستوى المعيشي للشعب و تطوير الأداء الوظيفي لمختلف مؤسسات القطاعين العام و الخاص … و هذا يعني تطوير في السياسات الاقتصادية و مؤسسات الخدمة المدنية و مؤسسات الإدارة المالية العامة و مؤسسات الخدمات التعليمية من مدارس و معاهد و جامعات و مراكز تدريب و الخدمات الصحية و قطاعات الخدمات الأخرى. و هنا يجب علينا أن نفرق ما يعنيه الإصلاح أو ما يهدف إليه في مفهوم الدول المتقدمة (Developed Countries) و الدول النامية (Developing Countries) و الدول الأقل نموا (Leased Developed Countries) … فاحتياجات الدول من الإصلاح يتوقف على تصنيفها في معدلات نمو القطاعات المختلفة فيها.
نعم لبناء الوطن … مع المسؤول الشريف الذي يراعي مواطنيه … و لا يستعلي عليهم و هو يأكل من خيرات وطنهم. نريد من وزرائنا في التشكيلة الجديدة لمجلس الوزراء أن يتسموا بالتواضع و الروح السمحة و التسامح و إثبات الذات و الكفاءة و الإخلاص و المثابرة و تقبل الرأي الآخر لا بالقمع و الترهيب … كما كانوا قبل تعيينهم في مناصبهم … و أن لا يؤثر فيهم المنصب فيكونوا على مستوى الثقة و المسؤولية التي أنيطت بهم … فالكرسي لا يدوم … و هو دوار … و يبقى الذكر الطيب و المعروف الحسن.
كما أن على الوزراء القدامي من بقوا في مناصبهم أن يكونوا صادقين في تصريحاتهم و أن لا يركبوا موجة التغيير و التطوير و الإصلاح من أجل بقائهم في مناصبهم بل عليهم الإقرار و الاعتراف بأنه كان هنالك تقصير في أداء وزاراتهم و قصور في خططها و برامجها كما هو حاصل في بعض الوزارات الخدماتية التي بقي وزارئها في مناصبهم.
… انظروا لمن تم خلعهم مؤخرا … لعلهم يكونوا بطريقة خروجهم من السلطة و دائرة الضوء و صنع القرار و الرسميات و البهرجة عبرة لمن اعتبر” …
حفظ الله الوطن عمان”.
منقول
شهدت سلطنة عمان منذ 26 فبراير 2011 أحداثا … أو بالأحرى منذ انتهاء حكومة البلاد الإحتفال بالعيد الوطني الأربعين للسلطنة و ذكرى مرور أربعين عاما على تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله – مقاليد الحكم، خلفا للمرحوم والده السلطان سعيد بن تيمور – رحمه الله – إثر انقلاب أبيض أشرق من خلاله فجر جديد – في ذلك الوقت – على هذا الوطن العربي و شعبه المجيد …
… هذه الأحداث نتجت عن مسببات عدة أهمها تفاعل شعب سلطنة عمان مع الأحداث و الانتفاضات الشعبية التي عمت الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه أو من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر” و كذلك خيبة أمل شرائح و أطياف عدة في المجتمع العماني من سياسات الحكومة و توجهاتها و استياء الأوساط الشعبية من تصرف مسؤوليها من وزراء و كبار موظفين و انتشار الشلليات” و اللوبيات” و المحسوبيات” في أروقتها، و ما تبع ذلك من قرارات و تعيينات خيبت توقعات المواطن البسيط في تحسن الأمور بين دفة قيادة البلاد التي تكدس في عقولها غبار الزمن نتيجة بقائها على كرسي السلطة عشرات من السنين … فلم تستطع تفهم احتياجات المواطن و تحسين حال معيشته و توفير العيش الكريم له و لأبنائه وفق فرص من المساواة و العدل و الانصاف بين جميع المواطنين و شرائح المجتمع العماني كافة … بينما اتسعت الهوة بين أولئك المهيمنين على التجارة و الاقتصاد في البلاد و بقية أفراد الشعب … فالثري ازداد ثراء بينما بقي المواطن متوسط الدخل أو الفقير على حالة إن لم يزد سوء، كما ظهرت طبقة جديدة في المجتمع العماني مدعومة من السلطة و صناع القرار فيها أثر و نمى ازدهار دخلها المالي و مستواها الاجتماعي على حساب مصلحة و راحة و معيشة المواطن العادي البسيط.
… فكانت انتفاضة 26 فبراير 2011 التي قادها بعض شباب منطقة ساحل الباطنة في مدينة صحار … و منطقة ساحل الباطنة هي أكثر مناطق السلطنة في الكثافة السكانية كما عرف عنها وجود القبائل قوية الشكيمة المؤيدة لحكم أسرة آل سعيد في مسقط … تبعها بعد ذلك انتفاضات و اعتصامات في عدة مدن رئيسية عمانية … لعل أبرزها العاصمة مسقط.
لم نكن نود أن نرى مثل هذه الأحداث أن تقع في بلادنا سلطنة عمان” و خصوصا و أن حكومتها انتهت للتو من احتفالاتها بالعيد الوطني و الذكرى الأربعين لتربع عاهل البلاد على عرش حكم آبائه و أجداده … و لكن ما الذي دفع الشباب إلى مثل هذه الاعتصامات؟ و ما المسببات التي أدت لحدوث ذلك؟؟ … الجواب ببساطة هو الحكومة نفسها و سياساتها التي لم تراعي الظروف و الاحتياجات المعيشية و الوظيفية للمواطن العماني ظنا منها أن ما تحقق من تنمية و تطوير و إصلاحات في أنظمة البلاد حققت أهدافها … بل أكثر من ذلك !!! … فكانت الفجوة … فجوة التواصل بين الحكومة و المواطن … و بين الحاكم و المحكوم … و بين الخطط و السياسات المعلنة من قبل الحكومة … و بين واقع حال المواطن العماني في مختلف مناطق السلطنة.
تدارك سلطان البلاد – حفظه الله – هذا الوضع المستجد و بادر … بل سارع في تحقيق مطالب شباب البلاد متفهما و معلنا حق المواطن في التظاهر و الاعتصام و الطلب السلمي” … بل حقق أكثر من تلبية تلك المطالب بخلع أهم رموز حكومته على مدى ثلاثين عاما أو أكثر و استبدالهم بوزراء شباب جدد … أو تدوير بعض الوزراء القدامى و منحهم حقائب وزارية جديدة.
أهم تلك التغييرات التي أتت وفق مطالب شعبية كانت:
الإطاحة بخمس شخصيات جوهرية في الحكومة.
إلغاء وزارة هامة – وزارة الاقتصاد الوطني – و إلحاق مهامها و تفتيتها في أروقة مجلس الوزراء – إلى إشعار آخر – و إعفاء وزيرها الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الشؤون المالية و موارد الطاقة وزير الاقتصاد الوطني. هذه الوزارة التي مع توأمتها وزارة المالية – و التي كان يشرف عليها وزير الاقتصاد الوطني – أدت قراراتها و خططها إلى تلبيد العهد الإصلاحي و التنموي لصاحب الجلالة بالغيوم السوداء و ذلك بسبب قراراتها الجائرة بحق المواطن البسيط و عيشه الكريم.
إعفاء وزير المكتب السلطاني الذي كان أقرب المقربين لجلالة السلطان، و من يثق بهم ثقة كبيرة و نال حظوة كبيرة من لدن جلالته … و تعيين شخص مقرب جدا من السلطان بدلا عنه … وزارة المكتب السلطاني – مصنع القدرات و الخبرات في سلطنة عمان” – كما يحلو لمنتسبيها الإطلاق عليها … هذه الوزارة التي بحق لها دور كبير في عهد جلالة السلطان و بها من الإيجابيات و السلبيات في هذا الدور ما يحتاج لمقالة أو بحث مستقل.
إعفاء وزير الديوان السلطاني و استبداله بوزير عرف عن عائلته الكثير من التاريخ و الدور و الاسهام في حكم سلاطين عمان و الثقة التي تتمتع بها هذه العائلة في أروقة الحكم.
إعفاء وزير التجارة و الصناعة بسبب التذمر المعيشي و غلاء الأسعار و سياسات الوزارة التي خضعت لإملاءات منظمة التجارة العالمية (WTO) دون مراعاة ظروف المجتمع العماني و احتياجاته …
إعفاء المفتش العام للشرطة و الجمارك و تعيين شخص مقرب جدا من جلالة السلطان بدلا عنه … المفتش العام السابق – الذي بحق يجب أن يطلق عليه بـ”جوكر” الحكومة العمانية – كونه شغل مناصب عدة في الحكومة و تولى حقائب وزارية عديدة و ترأس مجالس و أشرف على مشاريع حكومية عدة إضافة إلى مكانته في وزارة المكتب السلطاني … فقد كان حنونا رفيقا ودودا طيبا مع أعوانه و أزلامه و أذنابه … شديدا صارما قاسيا عبوسا مع شعبه … و عموما هذا حال معظم المسؤولين في سلطنة عمان.
بهذا ذهب أركان الحكم الذي اعتمد عليهم جلالة السلطان في إدارة شؤون بلاده و شعبه على مدى خمسة و ثلاثين عاما … خلعهم السلطان أم الشعب؟؟؟! … – الله أعلم – … و لكن طريقة خروجهم و خلعهم من مناصبهم مدعاة ابتهاج و فرح و سرور للشعب و مزيدا من الولاء و الامتنان لعاهل البلاد الذي أخذ يستجيب لمطالب شعبه على مراحل مدروسة متداركا أخطاء سببها أولئك المسؤولون و أعوانهم.
… و لكن ما جدوى تغيير الوجوه … إن لم تتغير السياسات و النظر برفق و حنان و رعاية لاحتياجات المواطن و التخفيف عن كاهله و ما يؤرق تفكيره و ضمان مستقبله و مستقبل أبنائه و توزيع عادل لثروة الوطن بين مواطنيه … و هنا يقع الأمر على عاتق المسؤول الجديد … فيجب عليه تدارك أخطاء الماضي … فهو يدين في وظيفته و مسؤوليته الجديدة بعد الله سبحانه و تعالى و جلالة السلطان إلى أولئك الشباب من أبناء صحار الذين طالبوا بحقوق لهم قيدها أولئك المسؤولون السابقين و حطموا طموحات و أحلام العديد من الشباب و الكفاءات العمانية … و هنا أخص المسؤولية بوزير المكتب السلطاني و وزير الديوان السلطاني الجديدين كونهما همزة الوصل بين جلالة السلطان – حفظه الله – و الحكومة و المواطن فعليهما في واقع الأمر مراجعة مسببات التذمر الشعبي الذي ساد شريحة عظمى من المواطنين … و كذلك الوزير المسؤول عن الشؤون المالية الجديد فعليه أن يتدارك الأخطاء أو الهفوات التي وقع بها في منصبيه السابقين كوكيلا لوزارة المالية و أمينا عاما لها و هو أدرى بهذه الأخطاء و الهفوات كونه رجل عاصر رسم سياسات الوزارتين التوأمتين – وزارة المالية و وزارة الإقتصاد الوطني – و خططهما و موازنتهما التنموية في عهدي وزيرين متنفذين لهما منذ عام 1985 أو قبل ذلك … بل كان عرابا منفذا لتلك السياسات و الخطط.
… إن انتفاضة الشباب العماني في 26 فبراير 2011 يجب أن ننظر إليها بشكل إيجابي رغم السلبيات التي إعترت بعض جوانبها. فهي نبهت و ألحت و أوجبت الإصلاح و التغيير و التطوير و ألزمت تدارك التجاوزات التي قام بها بعض المسؤولين فأساؤوا بذلك إلى العهد الإصلاحي و التنموي لجلالة السلطان – حفظه الله – … و نبهت أيضا إلى ضرورة تفهم احتياجات الجيل الجديد من الشباب العماني الذي فتح عينه و نشأ في هذا العهد … عهد النماء و التطور و الإصلاح في عصر به المعلومة تنساب لمريدها عبر وسائل شتى من تقنيات الاتصال و المعلوماتية … هذه الضرورة تحكم علينا أن ننظر للمستقبل بعين هذا الجيل الصاعد الذي أصبح تفكيره و تطلعاته متوازية مع تفكير و تطلعات غيره من أبناء الشعوب و الأمم الأخرى و خصوصا المتقدمة منها … فالعمانيون اليوم ما عادوا بعزلة و تقوقع و باب منغلق مفروض عليهم موصود في وجوههم … فالانفتاح على العالم وقع منذ بدايات الساعات الأولى لـ 23 يوليو 1970 و طموحات سلطان البلاد لمستقبل مشرق لبلاده و أبناء شعبه.
كانت الحكومة السابقة” بوزرائها المخضرمين منذ عقود تتباهى بالشفافية و الصراحة و الوضوح و الإصلاح و التطوير … و كانت غائبة عن كل ذلك … و اليوم نطالب مسؤولينا الجدد بمزيد من الشفافية و الرقابة و وضوح الأمور في أروقة الحكومية خدمة لمصلحة الوطن و المواطن … كما نطالب بمزيد من حرية الكلمة و تكسير ما يكبلها و من يقف في طريقها … لتنطلق الكلمة العمانية حرة صافية راغبة في المساهمة في بناء الوطن و موجهة لأجياله و مستقبله. كذلك إن على المسؤولين الجدد إعادة رسم الصورة الجميلة للحكومة التي تم تشويهها إثر تصرفات و قرارات المسؤولين القدامى … و ترميم جسر التواصل بين الحكومة و بين المواطنين و الذي يبدو أنه أنهك و لم تتم صيانته بشكل جيد للأسباب نفسها التي تحدثنا عنها و إعادة الثقة بين الحكومة و بين المواطنين الذين أحسوا أن سياسات الحكومة و قراراتها خذلتهم و لم تتواكب و تتواءم مع تطلعاتهم و آمالهم.
و على المواطن أن يقف مع المسؤول الشريف المخلص و أن يكشف القصور إذا وجد … خدمة للوطن لا بهدف التشهير و النقد اللامبرر و الغير المدعم بالأدلة.
كما أود أن أشير أن تكراري لكلمة إصلاح” في هذا المقال هو تأكيد أن عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيد هو عهد إصلاح و تنمية و رقي و تطوير… و إن الإصلاح الذي أقصده هو إصلاح ما أعطبه بعض المسؤولين في الحكومة العمانية بتصرفاتهم التي أساؤوا بها لمن رفعهم عليا و أعزهم غير عابئين بسمعة وطنهم و كرامة شعبهم و مصداقية قائدهم. فقد كان هنالك عطب و عطل في أداء الحكومة … لزم إصلاحهما و تفاديهما.
… و الإصلاح يجب أن لا يكون كلمة مطاطة تفسر حسب توجهات و مطالب معنية … و يمكن تعريفه بأنه إدخال تغييرات و تطورات في نظام ما من أجل تحسين و رفع كفاءة الأداء و الإنتاجية في مؤسسات الدولة و هو كذلك لا يعني أنه بتطبيق الإصلاح لا توجد أنظمة و قوانين و تشريعات و إنجازات قبل ذلك … بل أن الإصلاح هو يهدف إلى تطوير و تحسين تلك الأنظمة و القوانين و التشريعات و المضي قدما في الإنجازات و رفع كفاءة الأداء و الإنتاجية من أجل تحقيق معدلات تنموية عالية خدمة للمجتمع و أفراده … و بالنسبة لسلطنة عمان كدولة نامية (Developing Country) فإن الإصلاح فيها يمكن أن يطبق على مختلف المستويات التشريعية و القضائية و التنظيمية و التشغيلية و التنفيذية بهدف تحسين و تطوير المستوى المعيشي للشعب و تطوير الأداء الوظيفي لمختلف مؤسسات القطاعين العام و الخاص … و هذا يعني تطوير في السياسات الاقتصادية و مؤسسات الخدمة المدنية و مؤسسات الإدارة المالية العامة و مؤسسات الخدمات التعليمية من مدارس و معاهد و جامعات و مراكز تدريب و الخدمات الصحية و قطاعات الخدمات الأخرى. و هنا يجب علينا أن نفرق ما يعنيه الإصلاح أو ما يهدف إليه في مفهوم الدول المتقدمة (Developed Countries) و الدول النامية (Developing Countries) و الدول الأقل نموا (Leased Developed Countries) … فاحتياجات الدول من الإصلاح يتوقف على تصنيفها في معدلات نمو القطاعات المختلفة فيها.
نعم لبناء الوطن … مع المسؤول الشريف الذي يراعي مواطنيه … و لا يستعلي عليهم و هو يأكل من خيرات وطنهم. نريد من وزرائنا في التشكيلة الجديدة لمجلس الوزراء أن يتسموا بالتواضع و الروح السمحة و التسامح و إثبات الذات و الكفاءة و الإخلاص و المثابرة و تقبل الرأي الآخر لا بالقمع و الترهيب … كما كانوا قبل تعيينهم في مناصبهم … و أن لا يؤثر فيهم المنصب فيكونوا على مستوى الثقة و المسؤولية التي أنيطت بهم … فالكرسي لا يدوم … و هو دوار … و يبقى الذكر الطيب و المعروف الحسن.
كما أن على الوزراء القدامي من بقوا في مناصبهم أن يكونوا صادقين في تصريحاتهم و أن لا يركبوا موجة التغيير و التطوير و الإصلاح من أجل بقائهم في مناصبهم بل عليهم الإقرار و الاعتراف بأنه كان هنالك تقصير في أداء وزاراتهم و قصور في خططها و برامجها كما هو حاصل في بعض الوزارات الخدماتية التي بقي وزارئها في مناصبهم.
… انظروا لمن تم خلعهم مؤخرا … لعلهم يكونوا بطريقة خروجهم من السلطة و دائرة الضوء و صنع القرار و الرسميات و البهرجة عبرة لمن اعتبر” …
حفظ الله الوطن عمان”.
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق