المهندس النسر المرحوم مازن الطائي

المهندس   النسر المرحوم مازن الطائي
المهندس المرحوم مازن الطائي

سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء

أرنو ألى الشمس هازئا في السحب والأمطار والأنواء

لا ألمح الظل الكئيب ولا أرى ما في قرار الهوة السوداء

الأحد، 30 أكتوبر 2011

في ذكرى أربعينية مازن الطائي

نشر في الحارة العمانية في أربعينة مازن الطائي رحمه الله وطيب ثراه
مضت أربعون يوما على وفاة نسر الحارة العمانية وشقيقي وروح روحي مازن الطائي
مضت هذه الأيام والله العالم كيف مضت .
مضت أربعون يوما وأكاد إلى الآن لا أصدق أنني أنا من ترعرعت في حضن مازن لن أراه أبدا
أنا من من كنت داخل عيني مازن ولم يبخل بحبه وحنانه الكبير علينا
توقف قلب مازن عن النبض في لحظة سريعة وكأنها لمحة بصر وكأنني عشت مع مازن دقائق فقط وليس سنوات
هل من المعقول قلبه توقف وفنى عن حياتنا كيف ذلك ؟ كيف استطيع تحمل ذلك ؟
ولكن هذا قضاء الله ولا راد لقضاءه
أتساءل عندما اتصفح الصحف والإنترنت وأرى كم يكتب الناس عنه وعن ذكراه الطيبة ذات الرائحة الشذية
المفعمه بروحه ونشاطه وفكره الواسع .
إن كان هؤلاء الناس من عرفوه فقط عن طريق الشبكة العنكبوتية صدموا بوفاته ، فكيف حالنا نحن ؟ وكيف
حال والدتي الغالية ؟
إشتقت له .. إشتقت لحضنه المليء بالدفي والحنان ... كان  يسعى لإسعادنا
ويكره نظرة الحزن في أعيننا ودمعة تسقط منها ...
كان هو من يشجعنا على تخطي العقبات والرقي بالعلم والفكر لأنفسنا
مازن الإنسان لم يكن فقط ذو نظرة ثاقبة وواسعة وصاحب قلم وفكر ، بل كان أيضا قلبا ينبض بالحب
والخير ، مازن ذو الطابع الشخصية المرحة وبهي الإبتسامة ذو الصوت الهادي كان قليل الكلام يمشي على
 مبدأ خير الكلام ما قل ودل وكان إن صمته صمت الحليم ، وهو كالنسر لا يهزم عند عقبة معينة .
كنت طفلة فقدت الأب ولكن بقلب ودفيء مازن لم تشعر باليتم . وها أنا اليوم أعاني من يتم الأب


وخسران  الأخ والصديق والمعلم وزميل العمل  الذي استفدت منه كثير ‘ بحكم عملي معه فكان معلمي
الأول في خبرتي العملية تعلمت منه معنى قيمة الوقت وأحببت علم الإدارة منه لما يتمتع هذا الإنسان
من خبرة إدارية بارعة وعقلية هندسية وفنية مميزة .
كان يشاركني همومي وأحزاني ولا يبخل علي بالنصيحة .
كنت أراه في عمله مشجعا ومحفزا لمن هم تحت إدارته ويصقل قدراتهم ويحثهم على الأفضل ، مازن
الإنسان كان  حكيما وحليما وذو ذهنا صافيا وصبورا .
يتمتع مازن بثقافة واسعة بالرغم من كونه مهندسا ولكن كان بارعا في تحليلاته السياسية ويتضح  ذلك في
براعته بمقالاته التي انتهج فيها المقال التحليلي السياسي  وباحثا في التاريخ العماني
ولمازن ثلاثة أبناء وإبنة ، وإبنائه هم: ( عبدالله وعمر ومحمد )
يا أمي لا تحزني ولا تدمعي ... مازن كان لا يحب أن يراك حزينه كان يسعى دائما أن يراك راضية
ومبتسمة ، لا تبكي فدعاء الأم مستجاب .. لا تبكي لأنه كان إبنا رؤوفا وبارا 
أحبابي أبناء روح الروح يحق لكم أن تفخروا بأبيكم
فنسر الحارة العمانية غني عن التعريف فهو من قال الحقائق
وهو من كان باحثا عن التاريخ وهو من عرفنا
بالتاريخ العماني الذي كنا نجهله
رحمك الله يا مازن وأسكنك فسيح جناته 
رفيف عبدالله الطائي

يا روح الروح ... رحل مازن وبقيت الذكريات

يا روح الروح ... رحل مازن وبقيت الذكريات

اليوم لن أكتب عن ظاهر إجتماعية ، ولن أكتب عن أمور خفية قد نغفل عنها ... بل سأكتب عن
شخصا عزيزا، وشخصا أثرى فئة الشباب فكرا وعلما، شخصا فنى عمره لغيره وأبتعد عن مصالحة
الشخصية ، شخصا لم يتبق منه سوى ذكريات جميله بل رائعة في نفسي، وشخصا كان له أثرا وتأثيرا كبيرا
 علي ، فسأكتب عن المهندس مازن بن عبدالله الطائي رحمه الله الذي إنتقل إلى رحمة الله يوم السبت 4 
يونيو 2011.
يا أبا عبدالله فجعنا بهذا المصاب الجلل ليس  المقربين فقط لك بل أناس لم يعرفوك عن قرب ، أناس أثر
فيهم فكرك عن طريق كتاباتك.
يا مازن كيف أعزي نفسي وأنت روحي ونفسي ، فلم تكن فقط لي شقيقا بل أبا وصديقا وزميلا ، وكيف أمنع
 عيني عن بكائك وأنت عيني التي كنت أرى بها ،  وعقلي  الذي أفكر فيه ، كنت أرى لهذا العالم من منظورك
وأتحدث بلسانك ، ماذا وماذا أكتب وكيف أعبر فقلمي ولساني يعجزان عن التعبير عن مدى حسرتي لفقدك
مازن يا روح الروح فقد فنيت حياتك لغيرك وليس لنفسك ، فقد كنت قلبا محبا وحنونا  ، وكلمة صدق أقولها
 في حقك لم أرى شخصا عزيز النفس مثلك ، ولم أرى فكرا كفرك الواسع ، ولم أرى قلبا محبا وحنونا مثلك
ولكن ماذا أقول فلا راد لقضاء الله ، قدر الله وما شاء فعل . .
رحلت يا مازن عن عالمنا وتركتنا نبكيك بحسرة ، رحلت يا مازن وودعنا قلبا دافئا يفيض حبا وحنانا ،
 شخصا تعلمت منه المعنى الحقيقي لبر الوالدين ، ويدا تمد يدها دوما للخير .. رحلت وتركت فكرا خالدا
بكتابتك وفكرك الواسع ، رحلت وكم فوجئت بالأثر الكبير الذي تركته في شباب عمان الواعد (كما كنت
تطلق عليه ) ، يا مازن لم ترحل إلا بعد عن أكملت مشوار والدك الأديب عبدالله الطائي ، الذي سعيت
جاهدا أن توثق فكره وتراثه .


يا صاحب الأثر الطيب ويا صاحب الروح المرحة والوجه المبتسم مهما قلت ومهما كتبت لن أوفيك حقك .
نبكيك يا مازن ونصبر أنفسنا ولن نستطع أن نصبرها فإلى الآن أكاد لا أصدق إنني لن أراك ولم يتبق سوى
الذكريات معك  ،ولكن لا يسعني إلا أن أقول البيت الشعري لأبي ذؤيب الهذلي  :
وإذا المنية أنشبت أظفارها        ألفيت كل تميمة لم تنفع
رحمة الله عليك يا أبا عبدالله وطيب الله ثراك وبارك الله بأبنائك عبدالله وبثينة وعمر ومحمد، وعسى أن 
يقدرني الله بأن أرد ولو جزءا بسيطا من جميلك علي فمهما فعلت لن أقدم ما قدمته لي لهم ، وإلهم الله والدتنا
الغالية وزوجتك الصبر والسلوان .
وفي هذا المرة لن أختم موضوعي بعبارة لي بل سأختمها بعبارة كنت ترددها دائما يا أبوعبدالله وهي:
حفظ الله الوطن عمان .
رفيف عبدالله الطائي

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

مازن الطائي في أمسية تاريخ عمان السياسي





 


سرد الذات أم الإساءة لذوات؟

سرد الذات أم الإساءة لذوات؟



بقلم … المهندس مازن بن عبدالله الطائي  



أرسل لي أحد الأعزاء مقتطفات من كتاب “سرد الذات” للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة إحدى إمارات ساحل عمان و التي تعرف اليوم بدولة الإمارات العربية المتحدة. الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ذلك المهندس الزراعي الذي درس في القاهرة في فترة حكم الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر استلم الحكم في تلك الإمارة العمانية العربية بعد مقتل شقيقة المرحوم الشيخ خالد بن محمد القاسمي في عام 1972 م إثر الهجوم الذي قام به حاكم الشارقة الأسبق الشاعر الوطني المعروف الشيخ صقر بن سـلطان القاسمي و الذي عزلته السلطات البريطانية في 24 يونيو عام 1965 م محاولا استرجاع حكمة … و لكن الأمور لم تسير على ما يرام حيث قتل خالد و اعتقل صقر و عاش بقية عمره في منفاه في القاهرة حتى وفاته عام 1994 … مع العلم أن الشيخ صقر و الشيخ خالد و الشيخ سلطان هم أبناء عم و بينهم مصاهرة زواج قوية.
عرف عن الشيخ الدكتور المهندس سلطان بما يميزه عن بقية الحكام العرب ولعه الشديد بتشجيع الثقافة و العلم و تأليف الكتب خصوصا تلك المعنية بالتاريخ العماني مما جعل إمارة الشارقة مقصدا للكتاب و الأدباء و يكفي أنه أسس في إمارة الشارقة جامعتين هما: جامعة الشارقة و الجامعة الأمريكية في الشارقة،  و منح أبنائها فرص التعليم الجامعي بالمجان … و لكن كل هذا الحب و التعلق بالعلم و المعرفة لم ينس الشيخ الدكتور المهندس سلطان مقتل أخيه الشيخ خالد في حادثة هجوم الشيخ صقر لاستعادة حكمه ….
لن أخرج عن صلب موضوعي الرئيسي ، و لن أدخل في تاريخ القواسم و صراعاتهم على السلطة فيما بينهم، أو وقفاتهم الشامخة و تحدياتهم ضد التواجد الاستعماري البريطاني في “عمان” من حدود قطر شمالا إلى الحدود العمانية مع اليمن الشقيق في أطراف ظفار جنوبا ، و من ثم مهادنتهم لذلك الاستعمار و انقسام حكمهم في إمارتي الشارقة و رأس الخيمة أو جلفار … فهذا بحد ذاته يحتاج بحثا مستقلا … و لكن ما دفعني لكتابة هذا الموضوع ما ذكره الشيخ الدكتور المهندس سلطان في كتابه “سرد الذات” عن أستاذه للغة الإنجليزية و هو في ربيعه الثاني عشر في الصفحات 109 – 117 ، و هي تلك الصفحات التي أرسلها إليًّ ذلك العزيز الذي ذكرته في بداية الموضوع. و في الحقيقة يجب أن أعترف أني لم أطلع على الكتاب ككل سوى تلك الصفحات التي أرسلها لي العزيز ؛ و لكني سألت بعض الأخوة و الأصدقاء عن الكتاب و فحواه … و كان ردهم واحدا متفق عليه هو مدح الذات و تمجيد عبقريتها … و الذات المقصودة هنا ذات الشيخ الدكتور المهندس سلطان بن محمد القاسمي … و الإساءة إلى ذوات أشخاص آخرين تعامل معهم الشيخ الدكتور المهندس عندما كان طفلا و شابا … و حاكما. لا ضير في أن يمجد المرء نفسه و يسرد ذكرياته و انطباعاته و يكيل مدائحه لأناس، و يذم أناس ما دام ذلك في بداية الأمر فكره و اعتقاده و وفق ما يمليه عليه ضميره و مصداقيته  - و خصوصا – إذا كان حاكما لإمارة من الإمارات العمانية العربية المتحدة أي حاكما عربيا فذا … و لكن يجب أن يكون ذلك وفق توثيق سردي مؤكد، و ليس  مبنيا على انطباع شخصي تولد منذ النشأة و مقتبل العمر ، كما أن ذلك السرد لا يجب أن يكون متأثرا بعلاقات أسرية متصارعة يزج فيها أفراد بحكم علاقاتهم مع الطرفين من دون أن يكون لهم ذنب سوى أنهم تواجدوا و عملوا في الشارقة في تلك الفترة … و أعني هنا علاقة الشيخ الدكتور المهندس سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة الذي تولى الحكم فيها بعد مقتل أخيه الشيخ خالد بن محمد مع ابن عمه الشيخ الشاعر الوطني المعروف صقر بن سلطان القاسمي ، و الذي يكون الشيخ الدكتور المهندس سلطان خال أبناء الشيخ صقر.
بعث لي العزيز تلك الصفحات التسع (ص 109 – 117) من كتاب “سرد الذات” للشيخ الدكتور المهندس سلطان بن محمد القاسمي كملحق في رسالة إليكترونية تحت عنوان “المرحوم – بإذن الله – نصر الطائي مدرس” و معها رسالة بخط اليد من مدرس في مدرسة القاسمية إلى الأستاذ نصر الطائي عبارة عن كلمة ألقاها ذلك الأستاذ على طلبته … و قد سررت عند استلامي الرسالة لمعرفتي أن ذلك العزيز مهتما بتتبع سيرة أعلام و رموز عمان الطيبة واخلاصهم و كفاحهم في سبيل لقمة العيش أبان فترة القحط التي انتابت الوطن العماني في الثلاثة أرباع الأولى من القرن العشرين ، و تضحيتهم و مثابرتهم في سبيل وطنهم العماني الكبير الذي أصبح يطلق عليه اليوم “سلطنة عمان” و “دولة الإمارات العربية المتحدة” و أنفتهم في التعامل مع كل ما هو أجنبي غير عربي،  و خصوصا إذا كان إنجليزيا.
بدأت بقراءة تلك الصفحات … و هنا يجب أن أعترف أيضا أني ذهلت في كيفية وصف الشخص – و أقصد هنا شخص نصر الطائي – و كيف لأي كان أن يصف معلمه بهذا الأسلوب الساخر ؟! … و ما هو المقصود من سرد الأحداث ؟! … كما و – حسب علمي – أن الرجل المقصود رحمه الله كان بشوشا … يثور قليلا لكنه سرعان ما يهدأ … و هو لطيف المعشر صادق النية و كريم سخي رحوم مع أحبابه واصلا لأرحامه ، تعلو وجهه ابتسامة محببة ، و هذا ما لمسته فيه رغم فارق السن بيني و بينه الذي يقدر بخمسة و عشرين عاما. ثم إحترت بعد ذلك … هل الشيخ الدكتور المهندس يذكر أستاذه نصر الطائي بالخير ، أم يعيب عليه شدته و قسوته المفرطة مع التلاميذ ، بينما يذكر بأنه هو الطالب الوحيد النجيب الذي سلم من قسوته و عقابه ، كما يشير الشيخ الدكتور المهندس أنه كان متفوقا و لبيبا و باقي الطلبة أشقياء و كسالى و و … إلخ. و إن كان توجيه الطلبة و بث القيم و العادات الحسنة و غرس حب العلم في نفوسهم يعتبره الشيخ الدكتور المهندس تجاوزا سلبيا و إساءة من قبل الأستاذ المربي و المعلم و مدعاة للتهكم و السخرية فهذا أمر لم أفهمه و لا يريد أي كان أن يدعيه. و دار في ذهني سؤال … ماذا يعني الشيخ الدكتور المهندس؟! … لم أستطع التأويل سوى نقطة واحدة فقط لا غير ، و هي تمجيد الذات و الإساءة إلى ذات و لو عن طريق ذات آخر !!! … كما أنه يبدو أن الشيخ الدكتور المهندس نسي أو تناسى أن من كتب عنهم في كتابه لهم محبيهم و تلامذتهم و أبناءهم و أحفادهم و هم تواقون لسماع و قراءة و الإطلاع على ما يكتب عنهم دون إساءة و بمصداقية و موضوعية  … و أن رسائلهم و وثائقهم و ذكرياتهم لا تزال محفوظة لدى أولئك بما فيها براءة ذمة مما ذكره الشيخ الدكتور المهندس.
و قبل أن أذكر ما كتب الشيخ الدكتور المهندس عن المرحوم الشيخ الأستاذ نصر بن محمد الطائي لابد أن نعرف هذه الشخصية العمانية الرمز انصافا للشيخ الدكتور المهندس نفسه … إن كان يجهل من هو كونه عمل في إمارة الشارقة مدرسا للشيخ الدكتور المهندس و رفاقه في مدرسة القاسمية التي درست أنا فيها أيضا جزء من مراحل دراستي الإبتدائية (الصفين الثالث و الرابع حسب المنهج الكويتي القديم في منتصف الستينات) و لي ذكريات جميلة بها و زملاء دراسة لازلت أتوق للقياهم هم و من درسوا معي أيضا في ثانوية العروبة بالشارقة (الصف الأولى متوسط حسب المنهج الكويتي القديم).
هنا وجب علي ذكر هذا المثل العربي: “من علمني حرفا صرت له عبدا” و هو دليل على تقديس العرب “قديما” للعلم … كما أعتقد أن الشيخ الدكتور المهندس يقدر ذلك لما عرفنا عنه من تشجيع للعلم و المعرفة.
و أذكر كذلك بيت أمير الشعراء أحمد شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا  ***  كاد المعلم أن يكون رسولا
و كذلك هذه الأبيات لإبراهيم طوقان ردا على شوقي:
شوقي يقول و ما درى بمصيبتي  ***  قم للمعلم وفه التبجيلا
أقعد فديتك هل يكون مبجلا  ***   من كان للنشء الصغار خليلا
لو جرب شوقي التعليم ساعة  ***  لقضا الحياة شقاوة و خمولا             



من هو نصر الطائي الذي ذكرته في كتابك كمدرسك أيها الشيخ الدكتور المهندس ؟:
- المرحوم نصر الطائي هو الشقيق الأصغر للأديب العماني الأستاذ عبدالله بن محمد الطائي.
- ولد المرحوم نصر في مسقط عام 1932 و توفى في أبوظبي في 19 مايو 1971 عن 39 عاما و دفن بالقرب من أجداده و والده و عمه و أخويه سليمان و عبدالله في الوادي الصغير بمسقط.
-
“- هو نصر بن محمد بن صالح بن عامر بن سعيد بن عامر بن خلف بن صالح بن محمد بن صالح الطيواني البطاشي الطائي.
- من أسرة كبيرة في عمان تولت القضاء منذ ما يزيد على مائتي عام ، قدمت من مدينة حدا بوادي الطائيين و حلت في طيوي ثم هاجرت إلى نزوى فعرفت بالطيواني و منها إلى سمائل فإلى مسقط و ما تزال عائلات من هذه الأسرة تسكن هذه المدن.
- دراسته كانت من الحياة و تلقى تعليمه بالمدرسة السعيدية في مسقط و عمل مدرسا فيها فموظفا بالبنك البريطاني فموظفا بشركة تنمية نفط عمان ثم هاجر إلى الشارقة و هنالك عمل مدرسا حتى غادر الشارقة إلى البحرين و المملكة العربية السعودية يلتمس الرزق ثم قدم إلى دبي فعمل مساعدا لمدير الجمارك حتى سافر إلى أبوظبي عام 1962 و عمل مديرا لاحدى الشركات فمديرا للشؤون العامة بالديوان الأميري فمديرا للمشـتريات و الإسـكان ، و عندما بدأ العهد الجديد في مسقط في يوليو 1970 م عاد إلى بلاده يحمل الأمانة فعمل مديرا للمشتريات في وزارة المعارف و أسس جريدة “الوطن” و استقال في 15 -5 – 1971 بعد أن مورست عليه ضغوطات نتيجة ما كان يكتبه من نقد و دعوة لكسر الاحتكار ليتفرغ “للوطن” و لكن المنية أطفأت جوهره يوم 19 – 5 – 1971 رحمه الله.
- عاش ثمانية و ثلاثين عاما و خلف من الأولاد سبعة و كان في حياته مثال النزاهة و الوفاء و المروءة و العطاء والنبل والإخلاص – رحمه الله رحمة واسعة -.”
من جريدة “الوطن” العمانية العدد 18 الخميس 2 ربيع الثاني 1341 هـ الموافق 27 مايو 1971 م.
رثاه أخو عبدالله بمقال رائع تحت عنوان “يا قلب نصر” … و قال عنه في كتابه الشهير “الأدب المعاصر في الخليج العربي” عند ذكر الصحافة في الخليج: “و في سلطنة عمان عاد شاب عماني إلى مسقط رأسه بعد الإنقلاب الذي قام به السلطان قابوس فرفع الكثير من القيود عن أبناء وطنه ، عاد هذا الشاب فأصدر جريدة أسبوعية سماها “الوطن” ، هذا الشاب هو الأستاذ المرحوم نصر محمد الطائي. كانت الجريدة شعلة ساهمت في تفريق الظلام و نبهت الأفكار و دعت العمانيين إلى البناء و دعت الحكومة إلى كسر الاحتكار الاقتصادي فكثر المتآمرون عليه حتى اختاره الله إلى جواره في 19 مايو (آيار) 1971 و ما تزال وفاته غصة في قلب كل عماني حر.” (ص 26 من كتاب “الأدب المعاصر في الخليج العربي” للأستاذ عبدالله بن محمد الطائي).





*****************************
نعود إلى كتاب الشيخ الدكتور المهندس و هو يتحدث عن عامي 1951 و 1952 حيث قدم لهم كطلبه مدرس جديد للغة الإنجليزية ضئيل الجسد ….:
1. في  تلك الأثناء كان المرحوم الشيخ الأستاذ نصر الطائي لا يزال مقيما في مسقط و لم يكن في الشارقة كما أن المرحوم ، لم يكن ضئيل الجسد بل فارع الطول عريض المنكبين ، كذلك كان عمره يقدر بعشرين عاما أي أكبر من الشيخ الدكتور المهندس (المولود عام 1939) بنحو سبع سنوات. و قد بحثنا في رسائل و وثائق المرحوم فلم نجد ما يدل على أنه كان في الشارقة في تلك الفترة، بل كان متواجدا في إمارات ساحل عمان في نهاية الخمسينيات بدليل أن كبار أبنائه (غادة و ليث و الوضاح ( الأول رحمه الله) من مواليد مسقط أعوام 1957 و 1959 و 1961).
2. يقول الشيخ الدكتور المهندس أن ذلك المعلم للغة الإنجليزية كان شديدا صارما و لا يسمح بالتحدث بغير اللغة الإنجليزية أثناء الحصة …. أعتقد أن هذا كان جانبا تربويا ولا يستحق أن يذم عليه و هذا مدح و تقدير و اعتراف بكفاءة من جانب الشيخ الدكتور المهندس لمعلمه سواء كان الشيخ الأستاذ نصر أم شخصا آخر فحصة اللغة الإنجليزية خصصت للغة الإنجليزية فقط و ليس للغة أخرى.
3. يذكر الشيخ الدكتور المهندس أن أسلوب معاقبة الأستاذ نصر لتلاميذه كان مستهجنا من قبل التلاميذ و أولياء أمورهم … الرسالة المرفقة تؤكد حزن فريق التدريس لمغادرة الأستاذ نصر و تأسفهم على فراقه و خسارة الكادر التعليمي كمربي فاضل مثله و التي تلاها أحد زملاء الأستاذ نصر أمام الطلاب نيابة عن مدير المدرسة الأستاذ أحمد كما هو مذكور في الرسالة المرفقة. كما أود أن أشير هنا أن طلبة الأستاذ نصر في المدرسة السعيدية في مسقط و هي المدرسة التي درس و عمل بها الأستاذ نصر يشيدون به كمعلم فاضل له مآثره و أفضاله عليهم و كذلك من عرفوه و تعاملوا معه في الشارقة.
4. يذكر الشيخ الدكتور المهندس أن الأستاذ نصر أجرى إمتحان تقدير مستوى اللغة الإنجليزية للطلاب و أنه الطالب الوحيد الذي استطاع اجتياز الامتحان بدليل أن الأستاذ اصطحبه إلى الصف و المستوى الأعلى. هذه خطوة جيدة محسوبة تستحق التقدير والامتنان من الشيخ الدكتور المهندس لأستاذه.
5. يذكر الشيخ الدكتور المهندس أن الطلبة كانوا يتقاسمون كتاب اللغة الإنجليزية إلى نصفين … أي يتم تمزيق الكتاب إلى نصفين و يتقاسمه طالبان نصف في شمال مدينة الشارقة و نصف الكتاب الآخر في جنوبها … هذا كان دليلا على قلة حال حكومة الشارقة قبل أن تقوم دولة الكويت و مصر و دولة قطر بتمويل الخدمات الصحية و التعليمية في إمارات ساحل عمان (عدا أبوظبي) … فما ذنب الأستاذ يا أيها الشيخ الدكتور المهندس؟! … و لماذا يقوم الطلاب بالاستهزاء على المدرس و التقليل من شأنه فالذنب ذنب حكومة الشارقة التي تحكمها أسرة القواسم و هذا دليل على قلة احترام الطلاب لمعلميهم و سوء تربيتهم.
6. يبدو من سرد حديثك أن العديد من الطلبة تميزوا بالمشاغبة – و قلة الأدب إذا صح التعبير – و منهم من استلم حقائب وزارية و مناصب كبرى قيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة فيما بعد ، فكان لزاما على المدرس أو المدرسين معاقبتهم عقابا صارما بمثل فعلتهم … إلا تتفق معي في ذلك ، كما أن أسلوب المعاقبة – أيام زمان – يختلف عن أساليب اليوم أليس كذلك … أذكر أن مدرسينا في مدرسة القاسمية في فترة الستينات كانوا يعاقبون الطلبة بالضرب المبرح و الوقوف تحت الشمس الحارقة و تنظيف فناء المدرسة الترابي … هنا يتساءل المرء لماذا لم تذكر عقاب بقية المدرسين ؟ … و لماذا ركزت على الأستاذ نصر – إن صح كلامك – ؟
7. ذكرت أن الأستاذ نصر عاقب شقيق الحاكم آنذاك الشيخ صقر بن سلطان القاسمي و يدعى سعود بن سلطان القاسمي …. وهذه صفة حسنة تحسب للأستاذ نصر كونه لم يأخذ اعتبارا لشقيق الحاكم و لم يخاف سطوة الحاكم و نفوذه فعامل ابن عمكم الشيخ سعود معاملة طالب مشاكس  مشاغب استحق عليها العقاب ، و لكنك ذكرت أيها الشيخ الدكتور المهندس نتيجة لتلك الحادثة و عندما علم الحاكم الشيخ صقر بالأمر أنه أمر بالاستغناء عن خدمات الأستاذ نصر و إبعاده عن الشارقة … هنا وجب علي التوقف و القول أن تلك مغالطة كبيرة جدا … فالمرحوم الشيخ الأستاذ نصر بقي متواصلا مع الشارقة حتى آخر لحظات عمره القصير و أنه بقى يتردد على الشارقة بشكل دائم أثناء عمله في دبي و أبوظبي و حتى حين عاد إلى مسقط رأسه مدينة مسقط في الربع الأخير من عام 1970 ، كما أن آخر مقال كتبه في عموده الافتتاحي في جريدة الوطن عنونه بـ “”أين صوت الشعب في إتحاد إمارات الخليج” الذي يدل على تواصله و اهتمامه و حبه لإمارات الساحل العماني. كذلك أود أن أشير هنا أن العلاقة بين الأستاذ نصر و أشقائه عبدالله و سعيد – رحمهم الله جميعا – مع الشارقة بقيت و لاتزال و التواصل معها و عوائلها لا يزال قائما مع إبنائهم ، و أن علاقة الأديب الشيخ الأستاذ عبدالله بن محمد الطائي مع صديقه الشاعر الشيخ صقر بن سلطان القاسمي بقيت متينة رغم ما حاكه أعداؤهما من دسائس … و قد خلد الأديب الطائي رحمه الله هذه الصداقة في قصيدة رائعة سماها “من مراحل الطريق” و نشرها في ديوان شعره الشهير “الفجر الزاحف”.
8. إن سيرة الأخوة الثلاثة عبدالله و سعيد و نصر أثناء فترة إقامتهم و عملهم في إمارات ساحل عمان أو ما عرف فيما بعد بدولة الإمارات العربية المتحدة لهي مدعاة فخر لنا نحن – أبناءهم و أحفادهم – و صيتهم الحسن و سمعتهم العطرة هي نبراس لنا يقودنا إلى مزيد من الحب و الولاء لوطننا “عمان” بجميع تقسيماته السياسية و التاريخية … و ما سيرة الأديب الأستاذ الشيخ عبدالله بن محمد الطائي بخافية على الجميع و علاقاته بحكام و أعضاء المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة و خصوصا علاقته الوثيقة مع والد الجميع المغفور له – بإذن الله – الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ذكراه ، فقد كان الأخوة جميعهم مثالا للخلق الطيب و الذكر النبيل أينما حلوا في بلدان الخليج العربي.
خلاصة القول: أن هنالك بعض المعلومات غير الصحيحة وغير الدقيقة بخصوص المرحوم الشيخ الأستاذ و الإعلامي الرائد نصر بن محمد الطائي أحد رواد التعليم في سلطنة عمان و دولة الإمارات العربية المتحدة و مؤسس أول صحيفة في سلطنة عمان “صحيفة الوطن” … و لو قدر الله لهذا العلم و الرمز طول العمر لكان اسمه – و الذي هو كذلك – بين أقرانه من رموز و أعلام مثقفي منطقة عمان و الخليج العربي.
و أن الخلاف الأسري بين “قواسم” الشارقة الناتج عن مقتل المرحوم له – بإذن الله – الشيخ خالد بن محمد القاسمي لا يجب أن يزج معه أشخاص آخرين لا ذنب لهم سوى تواجدهم في تلك الحقبة و علاقتهم الطيبة مع الجميع بغية تحقيق حب الذات و سيرة الذات و تميز الذات بالإساءة إلى ذوات.
مسقط في 4 ربيع الأول 1431 هـ
19 فبراير 2010 م  












 



تعريف بكتاب عادا إلى رشدهما

 

  كتاب  للكاتب المرحوم   المهندس مازن الطائي “عادا إلى رشدهما” و هو الموضوع الذي دونه في الحارة العمانية، الموضوع أحدث ضجة و تجاوب من العديد من قراء منتديي الحارة العمانية و سبلة عمان و أوساط عدة في عمان و خارجها.
الكتاب يقع في 164 صفحة من الحجم المتوسط شاملا الغلافين الخارجيين الأمامي و الخلفي. و طبع في الكويت على نفقة الكاتب بإشراف مكتبة الربيعان … بعد أن اعتذر العديد من دور النشر في لبنان و سوريا عن طباعته توجسا من التأثير على علاقاتهم مع أجهزة الدولة العمانية.
 

يا نسراً مثواه إنسانُ…


 بقلم الكاتبة /  عزيزة  الطائي
يا نسراً مثواه إنسانُ…
أخط كلماتي لإنسان آخر، وأيُّ إنسان.. إنَّه رجل الموقف، وسيد الكرامة.. لا تجده إلَّا حيث تظهر الحقيقة، ويصدح الرأي… ولكن لا نقول إلَّا كما وجهنا الله عزَّ وجلَّ: ” وإن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فلا كاشفَ له إلاَّ هوَ وإن يُرِدْكَ بخيرٍ فلا رادَّ لفضلهِ“.. و”إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ”. صدق الله العظيم
***
أتطلع إليك في تبر فضاء وطني، وأبحث عنك في تراب أديم أرضي…هي الأقدار فجعتني بك فكيف لي أن أعود لأوراقي وأخط مداداي؟ فقد سكنتْ حروفي، وتقيحتْ كلماتي، وشُلَّتْ مداركي… فمن سيعيد لي نبض حروفي، ورونق كلماتي، وحلو حواراتي؟ ومن سيشد أزري، ويدفع تطلعي، ويرسم أملي بعد أن خرَّ عزمي، وتعثر مرادي، وتبعثرت خطواتي؟ فقد باغتني زماني ورحل السيد البهي الجميل، والنسر الشامخ الجليل… غاب الرجل الهمام المعطاء، ونضب النهر الكريم الجواد في يوم قائظ محل جاف..هكذا بدأ نهاري بلهيب أوَّار شمسه، وفي ليلة كئيبة حالكة عابسة.. هكذا تطاول ليلي بسديم وحشة ظلمته، وهكذا اكفهرت نجومه وأنا أبحث عنك حتى كادت بي الأرض الفضاء تمور…نبأ فجيعة فقدك انقلاب كوني، بل الطامة الكبرى التي هزّتَ كياني يا أخي وأبي “مازن”.
كدتُ لا أصدق هول الخبر المباغت فبحثتُ عنك بين جدران منزلنا وأسقفه… أنصتُ لصدى  صوتك الحنون الذي لا زال ينبعث من أركانه طيب أنسامك الندية ومن زواياه عبق أنفاسك الدافئة… أترقب اطلالتك المتطلعة الواثقة حين تقبل علينا بهيبتك وشموخك وأبوتك، وألمح طيفك حيث اعتدت الجلوس في ذلك الركن المضيء الذي شهد كثيرا من الضحكات الرائعة واللحظات الجميلة والحجاجات النيَّرة التي أنستُ بها معك .. مكتبك الذي تألق برؤاك الحالمة، وروحك المخلصة وفكرك المشيد ويدك المحبة .. في اشتياق لك، من له الآن؟!
يا إلهي أفي كل يوم تتولانا الدنيا بشتى خطوبها، وفي كل ساعة نباغت بفقد أحبابنا، أم أن لنا في كل يوم موعد مع الدهر بطعنة طائشة تزعزع الجبال الراسيات باقتلاع درة من أعزائنا؟! ذاتها الأقدار التي حجبتك عنَّا في تلك الإشراقة لذلك اليوم .. حيث بلغني خبر وفاتك فانطفأتْ شموع حياتي المضيئة بفقدك، وذوتْ زهور عمري الفاغية بغيابك.. كنتُ حينها أترقب نفي الخبر، ولكن لا محال من قضاء الله وقدره.. كان لا بد لنا أن نستسلم، أن نتجلد، أن نتعافى من ريب الدهر، ونتصالح مع سهام الموت حتى لا نتزعزع أمام زهور حياتك، وثمار روحك، وفلذات كبدك.
***
تسألوني من هو؟ : شمس مشرقة يستمد من حولها الدفء والضياء .. أرض خصبة مخضرة تشرق بالعطاء.. يد خيرة محبة للتواصل .. نفس أبية تائقة للمعرفة.. مهجة مخلصة باحثة عن الحقيقة؛ حيث أفنى عمره بكل شرف في أروقة بلاده وعلى جنبات الملفات في مكتبه محركا معه دفة الطموح، بل العزم والإرادة كلها. كان يملك فتوة الأحلام القومية، ويؤمن بأمة عربية لا ظلم فيها ولا طغاة… كان أنقى من أن يحمل حرابا لأحد؛ لكنه كان جاهزا للموت من أجل توثيق الحقيقة المتشحة بصفات الإنسانية؛ لكأنه يدرك أن زماننا زمن الموت الموَّثق، والجريمة المموهة لمن ينشد قول الحق والكلمة الصادقة على أروقة المساحات الإلكترونية التي تصنع من الضحية رمزا قادرا على إعادة توجيه الحقيقة صوب الناحر، لذا استطاعوا بتر يده التائقة للعمل في يوم ما، إلَّا أنَّهم لم يستطيعوا تكميم صوته، والارتقاء بفكره، والتواصل بهمته التي كانت عين الحقيقة… كان بطلا من أبطال الزمن العماني الحاضر. واحد من مجاهدي الكلمة والرأي حين اختار الكشف عن الحقيقة، ونبش منعطفات التاريخ؛ لكأنه يحتسب أن تكون المنية غنيمة ومكسبة… ليته شاهد جنازته، ليته استيقظ برهة ليرى حشود أهله المحبين، وأصدقائه المخلصين، وتلامذته المتألقين وهم يتأسفون على شبابه الذي ذوى بلمح البصر دون سابق إنذار.. ليته استبشر بصلواتهم ودعائهم وهم يودعونه ويترحمون عليه.
أيُّها الباحث في التاريخ.. قمْ وسجل مواقفه وارسم إباءه.. قمْ وأحفظ من سجلاته ونقِّب في مدوناته ما خطته تلك السطور التي لم تنتهي بعد. فالرجل الذي غبطناه على جرأته وكرامته مات حتى اشتهينا مرامه لنتزين به، وتطلعه لنحلق به.. كان آخر ما يذيل به أقواله أو مقالاته “حفظ الله الوطن عمان”.. كان آخر ما خطه في مجلة الفلق “المسؤولون الجدد”؛ لعله كان يأمل أن يسري النهر رقراقا عذبا سلسبيلا بين أروقة المؤسسات لمصلحة المواطن العماني الطامح الشريف من البسطاء والنبلاء والأحرار.. إنَّها الأقدار التي ليس منها مهرب أخذتك منَّا إلى برزخك أبا عبدالله.. فبكيناك دما دمعا سجاما حين ودعناك في تلك الليلة المكفهرة المتقيحة الحزينة بكل ألم الفقد، ولوعة الفراق، ودهشة الفاجعة التي غشتْ كل محبيك، وظللت كل أهلك.
***
أبا عبدالله: في قلبي غصة ولمَّا أستوعب حتى هذه اللحظة خبر وداعك عن هذه الدنيا الفانية، افتقدتك أيُّها الغيث الحبيب، وسأفتقد الحديث معك أيُّها الغالي الأصيل، واخشى أن لا أجدك تستقبلني بابتسامتك المعهودة، وحضنك الدافئ حين أدخل منزلنا الذي تزين بهامتك وتوشى بقامتك وتسيج بأبوتك. . أيَّها النسر الذي لازلت محلقا بيننا كنت فردا ولم تستلم لحراب جلاديك، بل تواصلت بفكرك ورؤاك مع جيل من الشباب العماني الواعد للإصلاح والتغيير -كما راق لك أن تطلق عليهم-؛ فلتسعدوا يا أحبابي: “عبدالله وبثينة وعمر ومحمد” أن أباكم رحل من رحاب أفق بلاده نسرا فذَّا شامخا أبيا مؤثرا، وواره تراب أديمها إنسانا أثيلا نبيلا أصيلا حرا..
أيُّها الجيل العماني الثالث: عرفتموه نسرا عزيزا طامحا صامتا حليما منقِّبا عن الحقيقة… مخلصا محبا ودودا جوادا باحثا عن التاريخ… راعيا مفكرا موجها راشدا ناثرا عليكم من علمه ومعرفته وتطلعاته لكأنَّه البحر الذي نغترف منه معين التاريخ، ونتبصر من خلاله بفيض الحقيقة فلم يبخل عليكم بقطرات دمه، وروح مهجته، ومورد فكره، وحلو رؤاه، وعذب حديثه، ولذيذ آرائه.
فجعت بك يا أخي وأبي وسندي وسيدي “مازن” فلطالما مهدتَ طريقي، وجليتَ عني الأسى، ومسحتَ دموعي، وانتشلتني من تيتمي منذ أن كنتُ طفلة صغيرة حتى أصبحت فتاة شابة ولازلت وأنا أما أسعد بأبوتك ورعايتك وحنانك ودفئك.. سأبكيك ما غنَّى الحمام بغصنه، ويبكيك قبلي في عمان كثير.
أبا عبدالله بنفسي كأفراخ القطا قد تركتهم يناديك منهم ناشئ وشاب.. ولهفي على زوجك وهي تناجي النَّجم بحرِّ دموعها، وحرقة قلبها حتى سيجت من ليلها أنة وزفير.. ولهفي على أخ لك صابر على بلوات زمانه تركته سيفا فردا يبحث عن غمده الآمن حتى يتوارى من هول فجيعة فقدك .. ولهفي على شقائق روحي من تصدع سندنا الذي نتكئ عليه في كلِّ صغيرة وكبيرة، فقد كنتَ ملاذ الأهل وعصب مجرى حياتهم، فيا ربِّ الرحمة كن رحمة الخير نحوهم جميعا.
***
أماه كفكفي وجعاً منغرساً في بيداء صمت أثار نقع حروفنا.. يا إكليل الغار، وزهرة الدفء، وأنداء الحنان! لا تجزعي حين تصهد الحقيقة، وتنصهر في عمق الواقع المرير.. كوني هنا.. كوني معنا.. كوني بيننا.. شعور يخالجني، أنَّك عنَّا تهربين!
أو أنَّه الإيمان أخرس جند الكلمات وبه تتعلقين.. أم أننا لازلنا نتعلم أبجديات الجلد والثبات، ونتهيأ لعراكات السنين؟ أماه.. الحب أنت.. الفخر أنت.. الحنان أنت..
الصبر أنت، ومنك تعلمناه، فلِمَ لا تتجاوبين؟ الجميع يأتونك أسراباً متوجسين..
وكأن ثكلاً غيب النبأ الحزين!
أماه.. ابشري.. وبشّري… فقد فارق “مازن” دنيا الآلام، واشتاق لآخرة السلام.. فقد ودَّع الأوجاع، واختار الوئام.. تذكري إنَّه الإنسان الذي عمّق الإنسانية فينا..
فقد أوقدت سيرته ومسيرته نوراً في جوف الظلام! تأملي طيفه.. تأمليه! ففي تقاسيمه.. إجلال تسامح ووميض نور.. صوته، ضحكه، حنانه، وبياض قلبه قارورة من عبق العطور.. ومن ابتسامته، وعطفه، ونقاء سريرته، يحفر في ذاكرتنا حكايا جميلة في ذاكرة السطور..
ومن صلبه حمائم نجوم تضفي على أجوائنا كل ألوان الحبور..
ومن ريح ذكراه أخت لنا سامقة محتسبة تهدينا إيثاراً، وتداري الدمع الطهور!
أماه.. اصبري.. وصابري.. فنسائم الرحمة حفته حين أنهكه الطريق..
أطفأت قلباً أدماه لهيب وتلظاه حريق..
فوالله.. قد أشعل في أعماقنا صفاء دره من جنان قلب رقيق..
يرثينا هو قبل أن نرثيه ليضمد الجرح العميق!
ومضت روحه رغم إيلام الصبر..
رغم الاغتراب، والقهر، وأوجاع السفر..
راثياً إيانا، وفي مراثيه عبر!
راحلاً عن دنيانا بعميق الحزن، وأنين الرثاء..
جاءوا به يحملون النعش، تشاطرهم ملائكة الرجاء..
فلستُ أدري، أنحن في وداع أم نحن من أجل لقاء؟
بكيته يا أمي، فصاهرني البكاء.. حتى أن تبعته روحي في ارتقاء وارتقاء..
وبقبلة صافحت بياض جبينه، ببسملة، ودمعة، وأنفاس دعاء..
بنظرة أخيرة رسمته في بؤبؤ العين، ووشمته في أوردتي نقاء..
في نعشه سموق، تعلوه هالة من بهاء فاق البهاء..
فالأهل والأصدقاء تجمعوا، يرسخون حباً، ينحتون حروفاً من صفاء..
في موقف مهيب، تمردت العيون منَّا، وإنَّا -لمؤمنون حتماً- بكل قضاء!
نعي يا جنة الدنيا من اختلاجاتك ابتهالك للعلي القدير الرحمن..
بأن يرزقه -إن شاء الله- عالي الجنان..
تمرغين صمتك بدمع تخفيه ثكلى في حشا حوى رجفات حنان..
ودع الدنيا بتمتمات يفهمها كلُّ بار، محب، إنسان!
بيد أنك -يا حبيبتي- تعتكفين في محراب الفقد، تمررين طعم محنة عظيمة، بكبرياء واصطبار..
تتغلغل دموعك جوف أرواحنا.. والزفرات منك صامتة حزينة تحمل في طياتها حزن السنين وكأنَّها زفرات انكسار..
تختزل ذاكرتك شريطاً من العمر يمضي في عجالة كساعة احتضار..
تلملمين بِرَّه، عطفه، وحبه، تطوقينه في عنقك وأعناقنا عهداً من فخار..
بين ضلوعك -يا أماه- نطمئن بأنَّك تحلقينا كطوق من سوار..
أتعلمين أنَّه في آخر أيامه كان يتذكر أوجاعك، يهاب حزنك، وألا يرى منك دمعاً مدرار؟ وكأن كلَّ هول مصابه، وأوجاع المدى، والأسقام، وهزيم السنين..
لا تعني في عرفه.. في وجدانه.. في بِرِّه.. أكثر من ذكرك في كل حين رغم صراعه مع الموت سراً أو جهار..
أواه.. ليته يطلُّ علينا مرة أخرى.. لأعلم أنجالي كيف يكون البر مكشوفاً بلا دثار؟
سقى الله قبرا ضم منهلا من الجود، وموردا من الفكر .. تذكري أماه لطالما أغاث مساكين وجاد بماله ونفسه للضعفاء والمستضعفين…
وأقسم ما عابه في الهول ذلة .. فلو عددت محامده علينا لهي كثيرة…
تذكري أماه .. حين كان يغبط من رجال التاريخ العربي من مات حرا عزيزا.. قولا وعملا ..فأهداه الله زهو الالتحاق بهم.
***
يقول: “آندري جيد” “ليس الموت الذي نستحقه، بل الموت الذي يشبهنا”. كان لمازن ميتة تشبه عفته ونبله وكرامته.. رجل شهد له أهله ورفاقه بالشيم الأصيلة، والصفات الحميدة. رجل ولد بدم عربي، منذور لتصمت روحه وحيدا وعلى فراشه دون طلب العون من أحد، وهكذا الكرماء.. حتى بموته كان عفيفا تقيا زاهدا.. لم يحتج المعونة والمساندة من أحد إلَّا من خالقه حين أحتضنه وأسلمه روحه الطاهرة.
اللهم ارحم “أبا عبدالله”، وعافه واعف عنه، وتجاوز عن سيئاته، وعامله بالإحسان إحساناً، وبالتقصير عفواً وغفراناً.. اللهم مُدَّ له في قبره مَدَّ بصره، واجعله روضة من رياض الجنة يارب العالمين فـ”إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”. 

شباب الوفاء.. لكم الإجلال


 بقلم الكاتبة عزيزة الطائي 
في البدء.. لا أريد الحديث في هذا المقام عن أمسية تأبين نسر الحارة العمانية “مازن الطائي” بمقدار ما أود التعبير عن الشعور الذي انتابني وأنا أخرج من حرم النادي الثقافي مساء يوم تأبينه.. ذلك الشعور الذي أثلج صدري برؤية درة من الشباب العماني الوفي النبيل؛ وهم يعملون بصمت أخَّاذ كالنمل، ويديرون دفة تخطيطهم بثبات كالنحل؛ دون رغبة في الظهور أو مدعاة للإشهار؛ حتى أنهم آثروا الجلوس في الصفوف الخلفية حتى لا يسند الجهد لشخص منهم.. كان الأهم في روحهم الجميلة واعتقادهم الوقَّاد هو إخراج جهدهم وعملهم بما يرضي أباهم النسر في ذلك اليوم؛ لينم قرير العين هانئا بوفائهم وبرهم.. فهنيئا لك أرض عمان – ماطر ووابل- بهذا الجيل الجديد.. وثبتهم الله لمبتغاهم.
“حفظ الله عمان”.. عبارة محمولة في أعناقنا سائرون على نهجها؛ لنترجمها قولا وعملا.. هكذا كانت تنطق سيماء وجوههم الحالمة.. “حفظ الله عمان والهوية العمانية” الصامدة كالنسر وسائرون على نهجه النسور الصغيرة لتحمل الراية من بعده، وتنصب اللواء في أعماق جذور الأرض لتعانق علياء السماء، فتواصل المسيرة التي تجمعوا لأجلها وهي “حب عمان والوفاء لها”.
تمنيت حينها لو يصطفون أمامي صفا واحدا فاشدد على أياديهم، وأقبل هاماتهم، وانحني لهم.. إجلالا وإكبارا وروعة وجمالا.
***
أذكر ذات يوم بعد أن علقتُ على موضوع جريء طرحه أحدهم في موقع الحارة العمانية.. رمقني معقبا: “والله إنهم شباب لو رأيتهم لأنحنيت لهم إجلالاً وإكباراً”.. ثم ابتسم لي مردفا لكأنهم الشباب الذين وصفهم أبو حمزة الشاري “شباب مكتهلون في شبابهم”. كنتُ أجهلهم –حقاً- ولكن بعد اللقاء الذي جمعني بهم يوم تأبين نسرهم؛ ازددت يقينا إن جناحي النسر لا زالا يرفرفان بيننا بقلبه وروحه.. وإن القادم أجمل في تلك السمات التي تحمل معاني الروح العربية بأبهى أصالتها، والقيم الإسلامية بأسمى عراقتها، وفي تلك الرؤى التي تنم عن روعة جذورها.. لمحتهم من بين ذلك الجبل الصامد الصامت أمام رياح أزمنة العولمة… لأبث لأرضي وفضائها معلنة هاجسي: إن رحل عنَّا النسر الكبير الذي احتضن بجناحيه النسور الصغيرة مستلهما قوته منهم؛ فإنهم ماضون على نهجه، وسائرون في علو رايته.
وأيقنت إن هؤلاء قد صيروا الطموح لنسرهم يكبر، حتى استطاع أن يفرد جناحيه بثقة في أروقتهم ومساحاتهم.. وما هذا إلَّا دليل على أن الهوية العمانية صامدة صمود جبالها لأنها محفورة في نفوسهم، ومنحوتة في عقولهم.. وتيقنت أن هناك نسورا وفية حرة تحلق على قمم الجبال العمانية الشماء لتطرز رسالة عمان الخالدة بأحرف من نور “حفظ الله الوطن عمان”، ولترفرف في علياء سمائها، وفاء وحبا وولاء وانتماء للجذور التي نصبت لأجلها.. فهنيئا لك عمان، وتيه فخرا واعتزازا بشبابك الأحرار الأوفياء – شباب الحارة العمانية ورواد أروقتها- الذين يبحثون عن الحقيقة.
فكيف لي بعدها أن أخفي سعادتي وانتشائي عند مرأى جواهر متألقة من الشباب –ذكور وإناث- يعملون يدا بيد وبصمت هادئ أخاذ –؟؟!!!.. فبوركت بكم أرضكم وازدان بكم فضاؤكم- في رحاب أمنا الغالية “عمان”.
***
وبعد.. لقد غيَّر الجيل الجديد – بلا شك- التواصل عن ذي قبل.. فهذا الجيل؛ جيل التواصل الملحمي الذي جعل من الشباب أشد وعياً، وأكثر إدراكاً بما حملته لهم التقانات العلمية، والاتصالات اليسيرة، فأصبح هدفهم بعيدا عن الشكليات المؤطرة، والأحاديث الزائفة؛ فعدنا إلى جيل الجرأة الأدبية، والشجاعة الحرة على الأروقة الإلكترونية.. لكأنهم جمرة متقدة تبحث عن متنفس لها من بين الرماد.
وصارت “حفظ الله الوطن عمان” عبارة اتخذها موقع “الحارة الإلكتروني” شعارا له، فمنها تعلم شبابنا العماني الكثير، وعرَّف البسطاء والعامة أن لهم حقوقا لم يكونوا يدرون عنها، أو أنَّها كانت مغيبة عنهم بفعل تسلط الإدارات المتزحلقة المتخلفة، التي كانت ترهب وترعب، وتستخف وتضحك على عقول العامة من البسطاء.
“حفظ الله عمان” عبارة ترجمتها مجلة “الفلق الإلكترونية”، فبرغم قصر عمرها الزمني، إلَّا أنَّها استطاعت أن تستقطب باحثين أوفياء، وكتابا أجلاء، ومفكرين نبلاء من قلب عمان نقشوا حروف الولاء في أحاديثهم، وخطوا كلمات الانتماء من مداد أقلامهم، واستلهموا زهور الأمل بحلو رؤاهم.. فعرَّفت الكثير من الشعوب العربية بالواقع الثقافي العماني، وجعلت شبابنا يقفز سنوات وسنوات.
***
وفي الختام
.. شكراً لكم أخوتي في أرجاء الوطن العربي قاطبة، فقد غيرتم لغة الجميع منذ أن خرجتم للتغيير، وصارت الأصوات حولنا أكثر علواً ووضوحاً، وفي كل مكان صارت المجتمعات تتحدث بانطلاق وحرية ووعي، وبلهجة قوية مثقفة لم نعهدها بيننا بهذا الشكل المفرح، ولم يعد أحد يطلب من أحد أن يخفض صوته، ولا أن يكتم مرئياته، ولا أن يتقي شر من له شر!.
شكراً لكم، فقد عرفت مجتمعاتنا العربية الشعبية البسيطة بأن لها صوتاً عالياً مسموعاً، وله وقعه المؤثر الفاعل.
شكراً لكم، فقد عرفت الشعوب في كافة أرجاء الأرض بأنَّها إذا خرجت للشوارع والساحات سلمياً، فستسمع أطراف الدنيا أصواتهم، ولن يتمكن أي مسؤول جائر من تكميم أفواههم، ولا تغيير إرادتهم، ولن يتمكن أي إعلام أجير من تزوير حقيقة رغباتهم، فالعالم برمته صار بفضل العولمة يسكن في قرية صغيرة، لا مجال فيها للتورية، ولا الخداع.
شكراً، فقد عرفت عامة شعوب العالم بأن أصل العدل هو(الديمقراطية)، التي تجعل الكل متساويين، فلا ينحني فيها قوم لقوم.
شكراً لحميتكم، فقد أدركت الشعوب بأن لقمة العيش ليست تفضلا من الحكومة تمنه عليهم عند كل منعرج.
وإن الصحة حق للفقير قبل الغني، ودون تفضل من أحد.
وإن التعليم حق لكل مواطن، لا يجب أن يختص به الخاصة.
وإن الثقافة مكفولة للجميع، بلا حدود ولا حواجز، ولا حجب.
وإن مشاريع البلد، يجب أن تكون بأيدي أمينة، وأن تكون موازية لأثمانها، وأن تكون مراقبة من ممثلي الشعب، وأن تصب في صالح الجميع.
وإن الفساد – إن حصل- فهو مدعاة للمسائلة، والمحاكمة، والتغيير، حتى في أعلى الهرم.
وإن المشاركة في خيرات البلد حق معلوم، فلا يكون فيها لا سائل ولا محروم.
شكراً جزيلا جميلا لكم – شباب الوطن العربي المحب للتغيير والإصلاح- كجمال قلوبكم.. وحلو رؤاكم، وامتنانا كريما عزيزا لكم كطيب أنسامكم.. وأثيل مبتغاكم.  

تيم لاندن 1942-2007 .. مواطن عماني

 تيم لاندن 1942-2007 .. مواطن عماني 
بقلم المهندس جلال الشكيلي وردود
وتوضيحات من المهندس مازن الطائي من موقع الحارة العمانية

سلطنة عمان و الإصلاح في الأحداث الأخيرة ...

بقلم … مازن بن عبدالله الطائي


شهدت سلطنة عمان منذ 26 فبراير 2011 أحداثا … أو بالأحرى منذ انتهاء حكومة البلاد الإحتفال بالعيد الوطني الأربعين للسلطنة و ذكرى مرور أربعين عاما على تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله – مقاليد الحكم، خلفا للمرحوم والده السلطان سعيد بن تيمور – رحمه الله – إثر انقلاب أبيض أشرق من خلاله فجر جديد – في ذلك الوقت – على هذا الوطن العربي و شعبه المجيد …


… هذه الأحداث نتجت عن مسببات عدة أهمها تفاعل شعب سلطنة عمان مع الأحداث و الانتفاضات الشعبية التي عمت الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه أو من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر” و كذلك خيبة أمل شرائح و أطياف عدة في المجتمع العماني من سياسات الحكومة و توجهاتها و استياء الأوساط الشعبية من تصرف مسؤوليها من وزراء و كبار موظفين و انتشار الشلليات” و اللوبيات” و المحسوبيات” في أروقتها، و ما تبع ذلك من قرارات و تعيينات خيبت توقعات المواطن البسيط في تحسن الأمور بين دفة قيادة البلاد التي تكدس في عقولها غبار الزمن نتيجة بقائها على كرسي السلطة عشرات من السنين … فلم تستطع تفهم احتياجات المواطن و تحسين حال معيشته و توفير العيش الكريم له و لأبنائه وفق فرص من المساواة و العدل و الانصاف بين جميع المواطنين و شرائح المجتمع العماني كافة … بينما اتسعت الهوة بين أولئك المهيمنين على التجارة و الاقتصاد في البلاد و بقية أفراد الشعب … فالثري ازداد ثراء بينما بقي المواطن متوسط الدخل أو الفقير على حالة إن لم يزد سوء، كما ظهرت طبقة جديدة في المجتمع العماني مدعومة من السلطة و صناع القرار فيها أثر و نمى ازدهار دخلها المالي و مستواها الاجتماعي على حساب مصلحة و راحة و معيشة المواطن العادي البسيط.


… فكانت انتفاضة 26 فبراير 2011 التي قادها بعض شباب منطقة ساحل الباطنة في مدينة صحار … و منطقة ساحل الباطنة هي أكثر مناطق السلطنة في الكثافة السكانية كما عرف عنها وجود القبائل قوية الشكيمة المؤيدة لحكم أسرة آل سعيد في مسقط … تبعها بعد ذلك انتفاضات و اعتصامات في عدة مدن رئيسية عمانية … لعل أبرزها العاصمة مسقط.


لم نكن نود أن نرى مثل هذه الأحداث أن تقع في بلادنا سلطنة عمان” و خصوصا و أن حكومتها انتهت للتو من احتفالاتها بالعيد الوطني و الذكرى الأربعين لتربع عاهل البلاد على عرش حكم آبائه و أجداده … و لكن ما الذي دفع الشباب إلى مثل هذه الاعتصامات؟ و ما المسببات التي أدت لحدوث ذلك؟؟ … الجواب ببساطة هو الحكومة نفسها و سياساتها التي لم تراعي الظروف و الاحتياجات المعيشية و الوظيفية للمواطن العماني ظنا منها أن ما تحقق من تنمية و تطوير و إصلاحات في أنظمة البلاد حققت أهدافها … بل أكثر من ذلك !!! … فكانت الفجوة … فجوة التواصل بين الحكومة و المواطن … و بين الحاكم و المحكوم … و بين الخطط و السياسات المعلنة من قبل الحكومة … و بين واقع حال المواطن العماني في مختلف مناطق السلطنة.


تدارك سلطان البلاد – حفظه الله – هذا الوضع المستجد و بادر … بل سارع في تحقيق مطالب شباب البلاد متفهما و معلنا حق المواطن في التظاهر و الاعتصام و الطلب السلمي” … بل حقق أكثر من تلبية تلك المطالب بخلع أهم رموز حكومته على مدى ثلاثين عاما أو أكثر و استبدالهم بوزراء شباب جدد … أو تدوير بعض الوزراء القدامى و منحهم حقائب وزارية جديدة.


أهم تلك التغييرات التي أتت وفق مطالب شعبية كانت:


الإطاحة بخمس شخصيات جوهرية في الحكومة.


إلغاء وزارة هامة – وزارة الاقتصاد الوطني – و إلحاق مهامها و تفتيتها في أروقة مجلس الوزراء – إلى إشعار آخر – و إعفاء وزيرها الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الشؤون المالية و موارد الطاقة وزير الاقتصاد الوطني. هذه الوزارة التي مع توأمتها وزارة المالية – و التي كان يشرف عليها وزير الاقتصاد الوطني – أدت قراراتها و خططها إلى تلبيد العهد الإصلاحي و التنموي لصاحب الجلالة بالغيوم السوداء و ذلك بسبب قراراتها الجائرة بحق المواطن البسيط و عيشه الكريم.


إعفاء وزير المكتب السلطاني الذي كان أقرب المقربين لجلالة السلطان، و من يثق بهم ثقة كبيرة و نال حظوة كبيرة من لدن جلالته … و تعيين شخص مقرب جدا من السلطان بدلا عنه … وزارة المكتب السلطاني – مصنع القدرات و الخبرات في سلطنة عمان” – كما يحلو لمنتسبيها الإطلاق عليها … هذه الوزارة التي بحق لها دور كبير في عهد جلالة السلطان و بها من الإيجابيات و السلبيات في هذا الدور ما يحتاج لمقالة أو بحث مستقل.


إعفاء وزير الديوان السلطاني و استبداله بوزير عرف عن عائلته الكثير من التاريخ و الدور و الاسهام في حكم سلاطين عمان و الثقة التي تتمتع بها هذه العائلة في أروقة الحكم.


إعفاء وزير التجارة و الصناعة بسبب التذمر المعيشي و غلاء الأسعار و سياسات الوزارة التي خضعت لإملاءات منظمة التجارة العالمية (WTO) دون مراعاة ظروف المجتمع العماني و احتياجاته …


إعفاء المفتش العام للشرطة و الجمارك و تعيين شخص مقرب جدا من جلالة السلطان بدلا عنه … المفتش العام السابق – الذي بحق يجب أن يطلق عليه بـ”جوكر” الحكومة العمانية – كونه شغل مناصب عدة في الحكومة و تولى حقائب وزارية عديدة و ترأس مجالس و أشرف على مشاريع حكومية عدة إضافة إلى مكانته في وزارة المكتب السلطاني … فقد كان حنونا رفيقا ودودا طيبا مع أعوانه و أزلامه و أذنابه … شديدا صارما قاسيا عبوسا مع شعبه … و عموما هذا حال معظم المسؤولين في سلطنة عمان.


بهذا ذهب أركان الحكم الذي اعتمد عليهم جلالة السلطان في إدارة شؤون بلاده و شعبه على مدى خمسة و ثلاثين عاما … خلعهم السلطان أم الشعب؟؟؟! … – الله أعلم – … و لكن طريقة خروجهم و خلعهم من مناصبهم مدعاة ابتهاج و فرح و سرور للشعب و مزيدا من الولاء و الامتنان لعاهل البلاد الذي أخذ يستجيب لمطالب شعبه على مراحل مدروسة متداركا أخطاء سببها أولئك المسؤولون و أعوانهم.


… و لكن ما جدوى تغيير الوجوه … إن لم تتغير السياسات و النظر برفق و حنان و رعاية لاحتياجات المواطن و التخفيف عن كاهله و ما يؤرق تفكيره و ضمان مستقبله و مستقبل أبنائه و توزيع عادل لثروة الوطن بين مواطنيه … و هنا يقع الأمر على عاتق المسؤول الجديد … فيجب عليه تدارك أخطاء الماضي … فهو يدين في وظيفته و مسؤوليته الجديدة بعد الله سبحانه و تعالى و جلالة السلطان إلى أولئك الشباب من أبناء صحار الذين طالبوا بحقوق لهم قيدها أولئك المسؤولون السابقين و حطموا طموحات و أحلام العديد من الشباب و الكفاءات العمانية … و هنا أخص المسؤولية بوزير المكتب السلطاني و وزير الديوان السلطاني الجديدين كونهما همزة الوصل بين جلالة السلطان – حفظه الله – و الحكومة و المواطن فعليهما في واقع الأمر مراجعة مسببات التذمر الشعبي الذي ساد شريحة عظمى من المواطنين … و كذلك الوزير المسؤول عن الشؤون المالية الجديد فعليه أن يتدارك الأخطاء أو الهفوات التي وقع بها في منصبيه السابقين كوكيلا لوزارة المالية و أمينا عاما لها و هو أدرى بهذه الأخطاء و الهفوات كونه رجل عاصر رسم سياسات الوزارتين التوأمتين – وزارة المالية و وزارة الإقتصاد الوطني – و خططهما و موازنتهما التنموية في عهدي وزيرين متنفذين لهما منذ عام 1985 أو قبل ذلك … بل كان عرابا منفذا لتلك السياسات و الخطط.


… إن انتفاضة الشباب العماني في 26 فبراير 2011 يجب أن ننظر إليها بشكل إيجابي رغم السلبيات التي إعترت بعض جوانبها. فهي نبهت و ألحت و أوجبت الإصلاح و التغيير و التطوير و ألزمت تدارك التجاوزات التي قام بها بعض المسؤولين فأساؤوا بذلك إلى العهد الإصلاحي و التنموي لجلالة السلطان – حفظه الله – … و نبهت أيضا إلى ضرورة تفهم احتياجات الجيل الجديد من الشباب العماني الذي فتح عينه و نشأ في هذا العهد … عهد النماء و التطور و الإصلاح في عصر به المعلومة تنساب لمريدها عبر وسائل شتى من تقنيات الاتصال و المعلوماتية … هذه الضرورة تحكم علينا أن ننظر للمستقبل بعين هذا الجيل الصاعد الذي أصبح تفكيره و تطلعاته متوازية مع تفكير و تطلعات غيره من أبناء الشعوب و الأمم الأخرى و خصوصا المتقدمة منها … فالعمانيون اليوم ما عادوا بعزلة و تقوقع و باب منغلق مفروض عليهم موصود في وجوههم … فالانفتاح على العالم وقع منذ بدايات الساعات الأولى لـ 23 يوليو 1970 و طموحات سلطان البلاد لمستقبل مشرق لبلاده و أبناء شعبه.


كانت الحكومة السابقة” بوزرائها المخضرمين منذ عقود تتباهى بالشفافية و الصراحة و الوضوح و الإصلاح و التطوير … و كانت غائبة عن كل ذلك … و اليوم نطالب مسؤولينا الجدد بمزيد من الشفافية و الرقابة و وضوح الأمور في أروقة الحكومية خدمة لمصلحة الوطن و المواطن … كما نطالب بمزيد من حرية الكلمة و تكسير ما يكبلها و من يقف في طريقها … لتنطلق الكلمة العمانية حرة صافية راغبة في المساهمة في بناء الوطن و موجهة لأجياله و مستقبله. كذلك إن على المسؤولين الجدد إعادة رسم الصورة الجميلة للحكومة التي تم تشويهها إثر تصرفات و قرارات المسؤولين القدامى … و ترميم جسر التواصل بين الحكومة و بين المواطنين و الذي يبدو أنه أنهك و لم تتم صيانته بشكل جيد للأسباب نفسها التي تحدثنا عنها و إعادة الثقة بين الحكومة و بين المواطنين الذين أحسوا أن سياسات الحكومة و قراراتها خذلتهم و لم تتواكب و تتواءم مع تطلعاتهم و آمالهم.


و على المواطن أن يقف مع المسؤول الشريف المخلص و أن يكشف القصور إذا وجد … خدمة للوطن لا بهدف التشهير و النقد اللامبرر و الغير المدعم بالأدلة.


كما أود أن أشير أن تكراري لكلمة إصلاح” في هذا المقال هو تأكيد أن عهد جلالة السلطان قابوس بن سعيد هو عهد إصلاح و تنمية و رقي و تطوير… و إن الإصلاح الذي أقصده هو إصلاح ما أعطبه بعض المسؤولين في الحكومة العمانية بتصرفاتهم التي أساؤوا بها لمن رفعهم عليا و أعزهم غير عابئين بسمعة وطنهم و كرامة شعبهم و مصداقية قائدهم. فقد كان هنالك عطب و عطل في أداء الحكومة … لزم إصلاحهما و تفاديهما.


… و الإصلاح يجب أن لا يكون كلمة مطاطة تفسر حسب توجهات و مطالب معنية … و يمكن تعريفه بأنه إدخال تغييرات و تطورات في نظام ما من أجل تحسين و رفع كفاءة الأداء و الإنتاجية في مؤسسات الدولة و هو كذلك لا يعني أنه بتطبيق الإصلاح لا توجد أنظمة و قوانين و تشريعات و إنجازات قبل ذلك … بل أن الإصلاح هو يهدف إلى تطوير و تحسين تلك الأنظمة و القوانين و التشريعات و المضي قدما في الإنجازات و رفع كفاءة الأداء و الإنتاجية من أجل تحقيق معدلات تنموية عالية خدمة للمجتمع و أفراده … و بالنسبة لسلطنة عمان كدولة نامية (Developing Country) فإن الإصلاح فيها يمكن أن يطبق على مختلف المستويات التشريعية و القضائية و التنظيمية و التشغيلية و التنفيذية بهدف تحسين و تطوير المستوى المعيشي للشعب و تطوير الأداء الوظيفي لمختلف مؤسسات القطاعين العام و الخاص … و هذا يعني تطوير في السياسات الاقتصادية و مؤسسات الخدمة المدنية و مؤسسات الإدارة المالية العامة و مؤسسات الخدمات التعليمية من مدارس و معاهد و جامعات و مراكز تدريب و الخدمات الصحية و قطاعات الخدمات الأخرى. و هنا يجب علينا أن نفرق ما يعنيه الإصلاح أو ما يهدف إليه في مفهوم الدول المتقدمة (Developed Countries) و الدول النامية (Developing Countries) و الدول الأقل نموا (Leased Developed Countries) … فاحتياجات الدول من الإصلاح يتوقف على تصنيفها في معدلات نمو القطاعات المختلفة فيها.


نعم لبناء الوطن … مع المسؤول الشريف الذي يراعي مواطنيه … و لا يستعلي عليهم و هو يأكل من خيرات وطنهم. نريد من وزرائنا في التشكيلة الجديدة لمجلس الوزراء أن يتسموا بالتواضع و الروح السمحة و التسامح و إثبات الذات و الكفاءة و الإخلاص و المثابرة و تقبل الرأي الآخر لا بالقمع و الترهيب … كما كانوا قبل تعيينهم في مناصبهم … و أن لا يؤثر فيهم المنصب فيكونوا على مستوى الثقة و المسؤولية التي أنيطت بهم … فالكرسي لا يدوم … و هو دوار … و يبقى الذكر الطيب و المعروف الحسن.


كما أن على الوزراء القدامي من بقوا في مناصبهم أن يكونوا صادقين في تصريحاتهم و أن لا يركبوا موجة التغيير و التطوير و الإصلاح من أجل بقائهم في مناصبهم بل عليهم الإقرار و الاعتراف بأنه كان هنالك تقصير في أداء وزاراتهم و قصور في خططها و برامجها كما هو حاصل في بعض الوزارات الخدماتية التي بقي وزارئها في مناصبهم.


… انظروا لمن تم خلعهم مؤخرا … لعلهم يكونوا بطريقة خروجهم من السلطة و دائرة الضوء و صنع القرار و الرسميات و البهرجة عبرة لمن اعتبر” …


حفظ الله الوطن عمان”.  


منقول  

تعريف بالمدونة

هذه المدونة أسست تكريما للمهندس مازن عبدالله محمد الطائي والباحث في التاريخ العماني النسر الذى أثرى الشبكة العنكبوتية في عمان بالفكر والأدب، والذي عرف شباب عمان بالتأريخ العماني - هذا هو مازن الطائي رحمه الله الذي وثق فكر وأدب والده الأديب الراحل عبدالله محمد الطائي - وها نحن أتى دورنا أن نرد ولو شيئا بسيطا مما قدمه لشباب عمان المهندس مازن الطائي رحمه الله الذي كان له دورا رائدا في قطاع الاتصالات العمانية فخطرت ببالي تدوين هذه المدونة إكراما لذكراه الطيبة 
رحمك الله يا مازن 
شقيقة النسر

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

إعتزال مدون عماني

مازن الطائي



إن أردت أن تبكي فابكي وحدك


إن أردت أن تبكي فابكي وحدك
تعمدت كتابة هذا الموضوع في حارة الثقافة و الفكر لسببين الأول أن حارة السياسة و القانون يبدو أنها من المغضوب عليهم وفق قانون تنظيم الاتصالات فأردت تجنب هذا الغضب ، و كذلك حارة الملعب الرياضي مشحونة اليوم بسبب الهزيمة الثقيلة لمنتخب "سلطنة عمان" الوطني لكرة القدم من قبل الكمبيوتر الياباني المنظم هذا البلد الذي تجاوب مع العصر و التنمية محتفظا بقيمه و عاداته و منفتحا على العالم بقدراته البشرية و التقنية و الأكاديمية. و السبب الثاني أن ما يحدث في "سلطنة عمان" من إخفاقات في جميع المجالات برغم ما نسمعه و نقرأه في وسائل الإعلام المطبل ما هو إلا نتيجة فكر و ثقافة متوارثة منذ عقود".

دعاني ولدي لمتابعة مباراة المنتخب الوطني "لسلطنة عمان" مع المنتخب الياباني حيث أني غرست فيه حب هذه الرياضة و أصبح من المهتمين بها فهو قد أختير ضمن فريق المدرسة التي يدرس بها برغم صغر سنه ، فقد كنت و أنا طفل من محبي هذه الرياضة و متابعي البطولات العالمية و العربية لعدم وجود مثل هذه الرياضة و اهتمام رسمي بها في وطني عمان و أنا طفل أضف إلى أني ترعرعت خارج هذا الوطن و عدت إليه بعد تخرجي من الجامعة. دعاني ابني لمتابعة المباراة فاعتذرت لحاجتي إلى الراحة في فترة القيلولة بعد صباح طرقت و أنجزت به عدة أعمال ، إضافة إلى أني لم أعد اكترث بالإخبار العمانية المحلية و منها الرياضية برغم حبي و تعلقي بوطني "عمان".

عند انتهائي من الراحة توجهت إلى ابني لأسأله عن نتيجة المباراة فوجدته مكتئبا و حزينا و كانت النتيجة 3-0 لصالح الكمبيوتر الياباني ، دعاني مرة أخرى لمجالسته و متابعة المباراة. أجبته و كلي حسرة و حزن بأني لا أريد ان أحرق أعصابي في سبيل منتخب لم نجد فيه إلا كل إخفاق برغم النتائج الطيبة التي حققها في السنوات الثلاث الماضية.

ما لم أقل له مباشرة هو "إن أردت أن تبكي فإبك وحدك" ... و البكاء هنا على "سلطنة عمان" و الإخفاقات التي حدثت مؤخرا و في جميع المجالات .. ابكي وحدك فقد تعبنا من البكاء و الحسرة و الأمل و الترقب و التفاؤل و تمنية النفس بغد أفضل للوطن و إنجازاته التي تحققت بسبب فكر لم يتطور مع تطور الزمان و تسارع الأحداث و متطلبات الحياة المعيشية اليومية للمواطن و الوطن. هل هو إنغلاق جديد أم أن هنالك أمور إدارية في الحكومة يجب أن يعاد النظر فيها ؟!

حفظ الله الوطن "عمان".

في ذكرى الأنواء المناخية "غونو" ... هل من عبر ؟


في ذكرى الأنواء المناخية "غونو" ... هل من عبر ؟

مضى عام على الإعصار الذي كاد أن يدمر البنية التحتية للبلاد و التي إستغرق بناءها سنوات عصر النهضة و فترة حكم صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله.

هذا الإعصار أطلقت عليه وسائل الإعلام العمانية "الأنواء المناخية" و هي كلمة عربية أصيلة مشتقة من الأنواء و الأنواء بالطبع مرتبطة بالمناخ المرتبط بأحوال الطقس و الظروف البيئية بما فيها البيئة المعيشية للإنسان. و الأنواء هي جمع "النو" و معناها في القواميس العربية العاصفة البحرية.

قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:

أرنو إلى الشمس المضيئة هازئا *** بالسحب و الأمطار و الأنواء

و أطلق عليه رجال علوم الأرصاد الجوية و الطقس ب "غونو" نسبة إلى كلمة بلغة أهل جزر المالديف المنطقة التي تكون فيها الإعصار و تعني بلغتهم السلة المحملة بالهدايا.

و لكن "غونو" لم يكن محملا بالهدايا إلى عمان و العمانيين ... بل حمل أهوالا و دمارا و خسائر بشرية و مالية قدرت بالعشرات بل بمئات الملايين من الريالات العمانية ... و كشف هذا "النو" أقنعة كانت لوجوه مخفية من الفساد و الغش و المراباه و حب الذات و تغليب المصلحة الفردية على مصلحة الوطن و الشعب. إتضح سوء التخطيط و عدم الإلتزام بالمواصفات الفنية و الهندسية و السلامة العامة في الكثير من المشاريع التي تم تنفيذها حديثا ... حتى أن عبارة "ما بناه السلطان قابوس خلال سبعة و ثلاثين عاما دمره "غونو" في سويعات" تداولت كثيرا بين عامة الشعب و المقيمين على هذه الأرض الطيبة.

فسرت ظاهرة "النو" من قبل المواطنين كل حسب مفهومه و معتقده و إدراكه ، فمنهم نسبه إلى غضب إلاهي نتيجة لبعض الممارسات و تنبيه من الله سبحانه و تعالى للإنسان على ما إقترفه من معاصي و ظلم و غبن و كان هذا رأي رجال الدين بمن فيهم سماحة مفتي السلطنة ، و منهم من فسره و أعتبره ظاهرة مناخية طبيعية تحدث كل خمسين عاما أو كل قرن و هذا كان رأي رجالات علم الأرصاد الجوية و التغير المناخي في الغلاف الجوي للكرة الأرضية.

أي كان التفسير لظاهرة "النو" أو الأنواء المناخية أو "غونو" ... فهل إعتبر العمانيون (حكومة و شعبا) مما حدث من دمار و غش و نرجسية و ظلم يقابلها في ذلك بناء و إخلاص و تعاون و تسامح و إخاء ؟
و هل تمت محاسبة المسؤولين على سوء التخطيط و الإدارة الغير ناجعة ؟

أعتقد أنه بمرور عام على هذا "النو" المناخي ... تناسى الكبار آلام الصغار ، و بمرور و تقادم الزمن تضيع أشياء كثيره !!!

حفظ الله الوطن "سلطنة عمان" من كل "نو" بمختلف أنواعه المناخية البيئية و البشرية
!!!

المشاركات الشائعة